انتخابات 2013 غدا. فماذا أعدت لها الأحزاب؟

حديث الصباح/ الأربعاء 13 يونيو 2012

اللي بغى الكَراب في الصيف، يتصاحب معاه في الليالي.

سعيد يقطين

      ستكون الانتخابات في أواسط 2013، فهل ستكون مثل نظيراتها السابقات؟ كل المؤشرات دالة على أن “صحة” الجسم السياسي الحزبي المغربي لا تزال على حالها، وهي في حاجة إلى تشخيص دقيق، وألا جديد تحت شمس خريفها شبه الدائم. وتأخر الأحزاب عن استباق الحدث من أجل التطوير والتغيير، لا يعني سوى أن ربيعنا الديموقراطي لا يعرف أمطار مارس” الميدومة” التي تعِد بصيف وطني جميل. لقد تأخرت الأحزاب في تغيير طريقتها في التعامل مع القضايا المختلفة صبيحة الربيع المغربي والعربي، وظلت تشتغل وفق منطقها، وانخرطت في الصيرورة الجديدة بالطريقة العتيقة غير مكلفة نفسها ضرورة “التربع” (من الربيع) على عرش وظيفتها الاجتماعية عن جدارة واستحقاق، ومن منظور مستقبلي جديد.

   فهل تنتظر الأحزاب قرب هذه “الاستحقاقات” لتجمع فلول عناصرها المتفرقة لتخوض “معركة” انتخابية عجفاء؟ أو توكل أمر “الحملة” الانتخابية إلى شركات خاصة؟ لقد اعتادت الأحزاب في إطار اللعبة السياسية أن تنال “حقها” أي “حصتها” في إطار “الوزيعة”  دون بذل أي جهد، سوى أنها “موجودة”. وبحسب نوعية التاريخ النضالي، ونوعية الحضور السياسي كانت “توزع” الحصص سواء تحت قبة البرلمان، أو البلديات. ولهذا شاع في القاموس السياسي المغربي، منذ أواسط التسعينيات مفهوم “الاستحقاقات” الذي صار لا يعني سوى “طلب الحق” في الوصول إلى المواقع السياسية سواء كان مقعدا أو منصبا. ومثله مفهوم “الاستوزار”، أي “طلب الوزر” (الإثم) وليس طلب الوزارة ( أي العبء الثقيل والمسؤولية الجسيمة) بناء على منطق اللعبة نفسه. في حين أن الترجمة الملائمة للمصطلح الأجنبي تعني أداء المستحق في الأجل المحدد. وبما أن أحزابنا لا تريد أداء حقها في الاضطلاع بواجبها تجاه الوطن، عن طريق تنظيم المواطنين، وتأطير انخراطهم في الحياة العامة، فإنها تطالب بحقها في نيل “حصتها” من السلطة، عن طريق التوافق، أو التناوب، أو المحاصصة، أو بإدماج كل هذه “الصيغ ” التفاعلية في عملية واحدة. هذا علاوة على “حقها” في أموال “دعم” حملاتها الانتخابية التي تصرف إليها من جيوب الشعب المغربي الذي يفترض أن تمثله لأنه جزء من بنياتها ومكوناتها؟

    لقد تناسلت الأحزاب، وانشق بعضها عن بعض، حتى صار يخطئها العد، وكثرت الشعارات والرموز واللغات حتى ضاعت وسط الاختلاف الذي لا يشي إلا بالتشابه. وبات سؤال : ما هو دور هذه الأحزاب في الحياة العامة ؟ مطروحا بشدة وبإلحاح، ولا سيما بعد أن بدا للعيان العزوف الشعبي وخاصة لدى فئات الشباب عن الانتماء إليها. فهل تستمد ضرورتها من كون “المشهد” السياسي في حاجة إليها، كيفما كانت،  لتكتمل “الصورة” الديموقراطية في إطار اللعبة السياسية؟ أم أن ضرورتها تأتي استجابة لطبيعة الاجتماع المدني الذي يقضي بالحاجة إلى تنظيم المجتمع وتمثيل كل التوجهات والتصورات.

    سبق المغرب الكثير من البلاد العربية والإفريقية إلى تنظيم نفسه بإعطاء المؤسسات السياسية واجب الحضور، ومارست الأحزاب دورها كاملا في تاريخنا الحديث. ولا يمكن لأي كان أن يماري في وظيفتها في المجتمع. لكن الصيرورة بدل أن تعمل على تجذير المؤسسة الحزبية في الحياة العامة، لعبت عوامل ذاتية بالدرجة الأولى وموضوعية بالدرجة الثانية دورا كبيرا في تقليص وظائفها وتحجيم مشاركتها في التنظيم والتأطير. ولذلك يجب التعامل مع انتقاد التجربة الحزبية المغربية بأنه من باب الحرص على استعادة دورها كاملا في الحياة عملا بمبدأ أن تطور أي مجتمع رهين بمدى مشاركة الشعب وانخراطه الواعي والمسؤول في التصورات التي تخدم التطور والتقدم. وأن أي عزوف عن المشاركة ليس له من معنى غير إدامة الواقع الذي يسمح للمفسدين باستغلال الوضع القائم ضدا على أي تحول يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين.

   عانت بعض الأحزاب المغربية في تاريخها من القمع والاضطهاد. وولدت أخرى وفي أيديها ملاعق من ذهب. تعرضت بعض الأحزاب للتخريب الذاتي والموضوعي، وشتت الجسم السياسي المغربي، وكان الهدف المركزي منه إبقاؤها حية ولكنها ميتة. وكانت كل تلك الممارسات تستجيب لدواع يفرضها الصراع السياسي، وكل يمارس دوره بالكيفية التي تحافظ على موقعه وقوته في مواجهة خصومه وأعدائه. لكن كل تلك التصورات باتت الآن من الماضي. فالدولة الحديثة لا يمكنها أن تحافظ على استقرارها بدون ارتقائها إلى الوعي بضرورة أن يكون للشعب حضور قوي في الحياة. والأحزاب بدورها، مطالبة بالارتقاء إلى الوعي بأهمية أن تكون مشاركتها فعالة داخل المجتمع، ولا يقتصر  حضورها على “تأثيث” المشهد السياسي فقط . بمعنى آخر باتت ضرورة العمل السياسي (رسميا وشعبيا) تفرض “التشارك” الإيجابي في التسيير والتدبير. ولكي تكون الدولة قوية فهي في حاجة إلى مجتمع قوي. والمجتمع القوي لا يمكن أن يتشكل إلا من أحزاب قوية. والعكس صحيح. أما منطق الاستقواء والإضعاف، بين الشعب والدولة، أو بين الحكومة والمعارضة، وهي من تركات التصورات القائمة على “المغالبة” التي لم تُولِّد غير الاستبداد والاستفساد، فلم يبق ما يبرر استمرارها.

   يقول المثل المغربي:” اللي بغى الكَراب في الصيف، يتصاحب معاه في الليالي”، و”العشا الزين يعطي ريحته عند العصر” و”الدجاج اللي يتباع في سوق الجمعة، يتربط ليلة الخميس”. كل هذه الأمثال المتصلة بالزمن لطيفة المعنى نافذة الدلالة. إنها ضد منطق” كل ساعة وساعتها”، وهو المنطق الذي يحكم علاقتنا بالزمن. إن الاستشراف والتخطيط البعيد المدى من أوليات التغيير الذي يجب القيام به في أي عمل يخدم الوطن. وآن لأحزابنا التاريخية أن تصل حاضرها بماضيها، وتكون بنت زمانها: رافعة أساسية للتحول والتغيير.

  إن تجاوز الذهنيات التي تولدت مع الزمن، (لدى الدولة والأحزاب معا) وما كانت تفرضه من إكراهات وممارسات من الواجبات الضرورية لأي ملاءمة اجتماعية وسياسية. كما أن  الدستور الجديد لا معنى له، ولا قيمة لـ “استنزاله” أو “تنزيله” إذا ظلت الذهنيات التقليدية في فهم الممارسة السياسية هي السائدة. إن انخراط الأحزاب في التجربة الانتخابية القادمة رهين الوعي والتخطيط منذ الآن لجعلها محطة، ولا أقول استحقاقا، مهمة في تاريخنا الحديث. ولعل في وضع العناصر التالية في الاعتبار لدى الفاعلين الحزبيين والسياسيين ما يمكن أن يسهم في القطع مع التقاليد العتيقة، وتأسيس رؤية ومرجعية جديدتين في التعاطي مع متطلبات واقعنا السياسي في أبعاده المختلفة.

العنصر الأول: تجديد الإعلام الحزبي. فإعلامنا الحزبي أحادي الصوت متخلف مضمونا ورديء شكلا، ولا يمثل الواقع الحقيقي لما يحبل به المجتمع المغربي.

العنصر الثاني: تجديد التواصل مع القاعدة. فالقواعد مغيبة ومعطلة. وإشراكها في العمل عبر تفعيل مختلف بنيات التواصل، والإنصات إلى أصواتها ضرورة ملحة.

العناصر الثالث: تجديد الخط السياسي عبر الحوار الجاد والموضوعي والعميق مع وبين كل الفاعلين والناشطين الذين تم تجميدهم  وإبعادهم بسبب الذهنيات التقليدية العتيقة.

العنصر الرابع : بناء التحالفات. إن العديد من الأحزاب متقاربة على مستويات متعددة، ولم يبق أي مبرر للتشرذم الحزبي الذي لا علاقة له بالتعددية. لذلك فالتحالف والاندماج على قاعدة الحوار النقدي بين الأحزاب المتقاربة رؤية وتصورا بات من الضروريات الملحة. أن تكون عندنا بضعة أحزاب  معدودة على أصابع اليد الواحدة أخير من حزب لكل مواطن؟

  إن توفير هذه العناصر، وغيرها، رهين أولا بممارسة نقد ذاتي. النقد الذاتي مدخل تهييء عشاء لذيذ نخلط فيه المكونات على نار هادئة، ونشم رائحته في العصر الذي نخطط فيه لربط دجاج سوق الجمعة، ونهنأ بماء زلال في صيف قائظ. فهل نحن دون أن نحلم ؟ ما أصعب أن تصادر حتى أحلام اليقظة؟