الرواية والتراث السردي

انفتاح النص الروائي

من أجل وعي جديد بالتراث

سعيد يقطين

ـ صدر كتاب ” الرواية والتراث السردي : من أجل وعي جديد بالتراث ” عن المركز الثقافي العربي ، بيروت / الدار البيضاء ، سنة 1992. وصدرت طبعة جديدة من الكتاب عن دار رؤية للنشر ، القاهرة 2006.

                        ـ ينفتح هذا الكتاب على قضايا يثيرها التراث العربي ـ الإسلامي في الفكر العربي المعاصر، ويسعى للإجابة عنها من خلال تناول علاقة الرواية العربية بالتراث الذي تفاعلت معه ، وقدمت من خلال هذه العملية إجابة حقيقية ومتميزة عن هذه الإشكالية .

فيما يلي المقدمة التأطيرية التي صدر بها هذا الكتاب :

تأطير

   ” تحاكي الرواية بسخرية كل الأنواع الأخرى ( وبالضبط لأنها أنواع ) ، وهي بذلك تكشف عن أشكالها ولغتها التعاقدية . إنها تقصي بعضها ، وتدمج بعضها الآخر في بنيتها الخاصة، معيدة تأويلها ،  ومانحة إياها رنة أخرى …”

                                                                            ميخائيل باختين .

       كثيرة هي النصوص السردية العربية الحديثة التي تشكلت على قاعدة إحدى العلاقات التي تقيمها مع التراث السردي العربي القديم . ويمكننا ضبط مختلف أوجه هذه العلاقات الكائنة والممكنة من خلال الشكلين التاليين :

1    . الانطلاق من نوع سردي قديم كشكل ، واعتماده منطلقا لإنجاز مادة روائية ، وتتدخل بعض قواعد النوع القديم في الخطاب ، فتبرز من خلال أشكال السرد أو أنماطه أو لغاته أو طرائقه . ويمكن التدليل على ذلك بحضور أنواع ذات أسلوب قديم كالمقامة والرسالة والرحلة وكتابة المشاهدات وحكي الوقائع ،،، وما شابه هذا ، كما نجد في رحلة ابن فطومة ورسالة الصبابة والوجد وتغريبة بني حتحوت والوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل وحدث أبو هريرة قال …

   وحضور النوع القديم في الرواية ، كما يمكن أن يتجسد على صعيد كلي ، يمكن أن يأخذ شكل بنيات سردية صغرى ، على صعيد جزئي . وعديدة هي النصوص الروائية العربية التي تحضر فيها هذه البنيات النوعية على شكل مناصات تاريخية  أو دينية أو سردية … متضمنة في الرواية، ونلاحظ كون هذا الشكل هو المهيمن.

2                    2   . الانطلاق من نص سردي قديم محدد الكاتب و الهوية ، وعبر الحوار أوالتفاعل النصي معه ، يتم تقديم نص سردي جديد  (الرواية)، وإنتاج دلالة جديدة لها صلة بالزمن الجديد الذي ظهر فيه .

على هذا الشكل الأساسي الثاني ينصب اهتمامي في هذا الكتاب ، وسأحاول معالجته من خلال البحث عن كيفية ” تعالق ” أو ” تعلق ” نص جديد ( الرواية ) بنص سردي قديم ، وذلك عبر الركيز على النماذج التالية :

ـ الزيني بركلت : بدائع الزهور.

ـ ليالي ألف ليلة : ألف ليلة وليلة .

ـ نوار اللوز : سيرة بني هلال .

ـ ليون الإفريقي: وصف إفريقيا .

عديدة هي العلاقات التي تأخذها النصوص بعضها ببعض . وما زال النقد العربي يركز على واحدة  منها ، مختزلا فيها كل أنواع العلاقات ، وأقصد بذلك “التناص ” . في كتابي ” انفتاح النص الروائي ” قدمت خطاطة عامة يمكن أن تشكل  في حال توظيف واستخدام مختلف مكوناتها وعناصرها تصورا شاملا ، يلعب دورا هاماا في تطوير ” نظرية النص ” عموما ، و” نظرية التفاعل النصي ” بوجه خاص .

في الكتاب السالف الذكر لم أشتغل إلا بثلاثة أنواع فقط ، من التفاعل النصي هي : المناصة ، التناص ، الميتانص ، باعتبار تحققها الداخلي ( داخل النص ) ، أو بالنظر إليها بصفتها بنيات نصية يستوعبها النص ، ويتفاعل معها داخليا ، وباعتبار السياق النصي الذي ظهرت فيه ، والذي تتفاعل معه خارجيا ، وذلك من خلال تحليل التفاعلات النصية الداخلية نفسها على مستوى خارجي من جهة ثانية .

    يأتي هذا البحث امتدادا وتوسيعا للمبحث الموسوم ب ” التفاعل النصي ” في الكتاب المذكور أعلاه . وهنا اسعى إلى معالجة مستوى آخر من مستويات التفاعل النصي . وهو ماأسميه ب ” التعلق النصي ” باعتباره مقابلا لـ ( Hypertextualité ) .

إن هذا النوع يتميز عن غيره من أنواع التفاعل النصي ، بسبب العلاقة التي تقوم بين نصين متكاملين : أولهما سابق (Hypotexte  ) ، والثاني لاحق ( Hypertexte) ، وأن النص اللاحق ” يكتب ” النص السابق بطريقة جديدة . ولما كان النص القديم السابق متصلا بالتراث ، والنص الجديد اللاحق يدخل في نطاق الرواية جعلنا وكدنا البحث في علاقة الرواية بالتراث من هذه الزاوية ، وتساءلنا عن كيفية قراءة الروائي للتراث السردي القديم من خلال فعل الكتابة . وعالجنا هذه العلاقة من خلال ” التعلق النصي ” ضمن إشكال عام هو : علاقة العربي الآن بتراثه القديم ، وهذا ما حاولنا تجسيده من خلال العنوان الأساس : الرواية والتراث السردي .

    الرواية نوع أدبي جديد في الإبداع الأدبي والثقافي العربيين . والرواية العربية باعتبارها نصا ، شأنها في ذلك شأن أي نص كيفما كان جنسه او نوعه ، تتفاعل مع مختلف النصوص كيفما كانت طبيعتها ، انطلاقا من تفاعلها مع واقعها .  وحين نركز في هذه الدراسة على تفاعل الرواية العربية ، من خلال بعض النماذج مع التراث ، فذلك يكمن في خصوصية المسألة التراثية في فكرنا الحديث والمعاصر . ونقصد من وراء التفكير في علاقة الرواية بالتراث أن نتساءل عن طبيعة هذه العلاقة ونوعيتها ، لتتاح لنا إمكانية الانتقال إلى ظاهرة أعم ، وهي علاقة العربية بتراثه بناء على التصور المنطلق منه في معالجة الرواية وصلتها بالتراث. وذلك ما حاولنا تجسيده في العنوان الفرعي ” من أجل وعي جدي بالتراث ” ليكون ذلك مدخلا لبحثنا واشتغالنا بالترث السردي العربي في أعمال لاحقة .

    إننا في هذا العمل نسعى إلى معالجة التعلق النصي داخل نطاق التفاعل النصي بين الرواية والتراث السردي العربي القديم ضمن إشكالية مزدوجة نبسها للتوضيح على النحو التالي ، على أن تكون مدار البحث في هذه الدراسة :

1 . علاقة الرواية بالسرد القديم : التعلق النصي .

2 . علاقة الرواية بالنص التراثي : ” نصية ” الرواية .

3 . علاقة التفكير العربي بالتراث : التفاعل النصي .

4 . علاقة العربي بتراثه  : نظرية النص .

من التعلق النصي على التفاعل النصي ، ومن نصية الرواية إلى نظرية النص نكون ننتقل من الخاص ( الرواية ) إلى العام ( النص ) ، أو من الأدبي إلى الفكري كما يطرحان على صعيد التفكير والممارسة في النشاط المعرفي العربي الحديث في علاقتهما بقضية حساسة هي : مسألة التراث .

          هذا طموحنا ، وهومتشعب ينتقل من الأدبي الخاص ( تنظيرا وتحليلا ) إلى الثقافي العام ( بحثا عن وعي جديد بالمسألة التراثية ) ، ورغبة في الانخراط في الأسئلة الفكرية العربية المعاصرة من منظور نقد ي ومفتوح على آفاق  أرحب للسؤال والبحث والحوار …

الرباط في : 16/6/1990