النقد الروائي المغربي :سعيد يقطين أنموذجا

من خلال كتابه ” انفتاح النص الروائي : النص – السياق”.

د. محمد السليماني.

(مدونات مكتوب: الاثنين 26/05/2008.)
يعتبر سعيد يقطين من الوجوه العربية البارزة في ساحة النقد الأدبي، استطاع أن يؤسس تجربة نقدية متميزة لها مرجعياتها وآفاق اشتغالها الخاصة ويعد كتابه ” انفتاح النص الروائي النص – السياق” من الدراسات والكتب النقدية الهامة التي حللت وساءلت تجارب روائية عربية بأدوات التحليل والمساءلة النقدية الصارمة.

– المشروع النقدي لسعيد يقطين :

يتكون المشروع النقدي لسعيد يقطين من الكتب التالية :
1- القراءة والتجربة : حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب .1985.
2- تحليل الخطاب الروائي : الزمن – السرد – التبئير 1989 وصدرت طبعته الثانية سنة 2000.
3- انفتاح النص الروائي : النص – السياق 1989 وصدرت طبعته الثانية سنة 2001 .
4- الرواية والتراث السردي : من أجل وعي جديد بالتراث 1992.
5- ذخيرة العجائب العربية : سيف بن ذي يزن 1994 .
6- الكلام والخبر : مقدمة للسرد العربي 1997.
7- قال الراوي : البنيات الحكائية في السيرة الشعبية 1997 .
8- الأدب والمؤسسة : نحو ممارسة أدبية جديدة 2000.
9- من النص إلى النص المترابط : مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي 2005.
– ملاحظات على المشروع النقدي لسعيد يقطين :
1- اشتغال سعيد يقطين يختص بالمجال السردي دون غيره من الوجوه الإبداعية الأخرى .
2- اهتمام سعيد يقطين بالمجال السردي يتم على مستوييه القديم والحديث .
3- هذه العناوين تتراوح بين الخطاب والنص والسرد .
4- هذه العناوين تشي بالمتن وتشي بالمنهج .
5- الاشتغال الروائي لسعيد يقطين يندرج ضمن الاشتغال غير المعلن لهوية النص.
كل هذه الأعمال تشكل مشروعا نقديا لدى سعيد يقطين وما دمنا نعتبر مشروع سعيد يقطين نقديا فإننا نفترض أنها تتكامل فيما بينها .
ولتأكيد هذه الفرضية نأخذ كتاب ” انفتاح النص الروائي النص – السياق” الذي يعد تتميما و تطويرا للكتاب الذي قبله “” تحليل الخطاب الروائي الزمن – السرد – التبئير ” وأرضية قابلة للتمديد” والتوسيع في الكتاب الذي يليه ” الرواية والتراث المسرحي : من : أجل وعي جديد بالتراث ” .
ونظرا لأهمية هذا الكتاب ضمن المشروع النقدي لسعيد يقطين سنعمل في هذا العرض على مساءلة التمثلات النقدية والمنهجية لسعيد يقطين في كتابه ” انفتاح النص الروائي : النص – السياق” .
– فصول كتاب ” انفتاح النص الروائي : النص – السياق ”
يتكون كتاب ” انفتاح النص الروائي : النص – السياق ” من ثلاثة فصول يتصدرها تقديم ومدخل ويليها تركيب عام.
– في التقديم يستهل سعيد يقطين كتابه بطرح عدد من الأسئلة التي تبدو ضرورية في سياق ما تضمنه الكتاب من نقاشات، وهي على النحو الآتي : ما هو النص؟ كيف وعلى ماذا يدل ؟ كيف تتحدد علاقته بالسياق النصي والثقافي والاجتماعي؟
– في المدخل عمد إلى تحديد الإطار النظري الذي يشتغل في إطاره وهو السرديات من خلال تحديد النص في علاقته بالخطاب ومكوناته، كما تحدث فيه عن النص كما تطرحه نظرية النص ( كريستيفا و بارث) وكما تطرحه سوسيولوجيا النص الأدبي (بييرزيما) ليشكل في الأخير تصوره الخالص الذي يندرج ضمن السوسيوسرديات من خلال تحديد تعريف النص الروائي ومكوناته كالآتي : ” النص بنية دلالية تنتجها ذات ( فردية – أو جماعية) ضمن بنية منتجة، وفي إطار بنيات” ثقافية واجتماعية محدودة.” “1
أما الفصول فهي على النحو التالي :
– الفصل الأول : بناء النص على المستوى الداخلي والخارجي
-الفصل الثاني : التفاعل النصي : البنيات النصية – لنص والمتفاعلات النصية – أنواع التفاعل النصي – أشكاله – مستوياته .
– الفصل الثالث : البنيات السوسيونصية : البنية الاجتماعية داخل النص- النص والبنية السوسيو نصية – الرؤية والصوت في النص.
أما التركيب العام فقد استجمع فيه كل ما ذكر في الفصول الثلاث مع ربط النص بالبنية النصية الكبرى وعلاقة ذلك بالكاتب والقارئ.

– ملاحظات حول فصول الكتاب :

1- الأسئلة التي يطرحها سعيد يقطين في التقديم تمتد على أرضية الكتاب وتشكل أطروحته الأساسية
2- افتتاح سعيد يقطين المدخل بعنوان ( عود على بدء) محيلا إلى العودة إلى مقدمة الكتاب الأول ” تحليل الخطاب الروائي” ومحاولا ربط السابق باللاحق .
3- فصول الكتاب الثلاثة هي مكونات تعريف يقطين للنص ومن خلال مقابلة التعريف بالفصول نلاحظ أن :
أ- المكون الأول من التعريف ” بنية دلالية ” يقابله الفص الأول : ( بناء النص).
ب- المكون الثاني من التعريف ” تنتجها ذات ضمن بنية نصية” يقابله الفصل الثاني : ( التفاعل النصي).
ج- المكون الثالث من التعريف ” في إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة ” يقابله في الفصل الثالث ( البنيات السوسيوثقافية).
4- مجرد قراءة عناوين الفصول الثلاثة وعناوينها الفرعية نلاحظ أن الكلمة التي تتكرر كثيرا هي كلمة ” نص”
5- هذه الفصول الثلاثة يستهلها يقطين بتقديم ويختمها بتركيب.
– التمثلات النقدية والمنهجية لسعيد يقطين في الكتاب :
ف1 : بالنسبة للمستوى الداخلي المتعلق ببناء النص تم تقسيم الزمن إلى ثلاث أزمنة :
1- زمن القصة : زمن صرفي، زمن الخطاب، زمن نحوي، زمن النص، زمن دلالي.
على المستوى الخارجي تم تقسيم النص إلى زمنين هما : زمن الكتابة و زمن القراءة ، زمن الكتابة محدود ، وزمن القراءة غير محدود .
ف 2 : في الفصل الثاني حاول يقطين إظهار القرب الحاصل بين مفهوم التفاعل النصي والتناص فأعلن عن كونه يفضل استعمال التفاعل النصي بدلا من التناص لأن هذا الأخير ليس سوى جزء من السابق ولأن التفاعل النصي أشمل، وفي إطار البنيات النصية التي تدخل ضمن التفاعل النصي تم تحديد بنيتين نصيتين هما :
” هيمنة النص” الشعري الجديد ” ثم ” هيمنة بنية إيديولوجية جديدة “” مفرداتها تتكون من الماركسية والوجودية والتحرر العربي ( ص 105).
المناصة : ( ص 111) هناك علامتان تميزان المناص الاستقلال والتكامل.
التناص : يندمج في النص، والميتانصية : نقد النص من الداخل.
– أشكال التفاعل النصي : داخلي وخارجي
– التفاعل النصي الداخلي هو تفاعل نص الكاتب مع نصوص عصرية أدبية وغير أدبية.
– تفاعل النص الخارجي هو حينما تتفاعل نصوص الكاتب مع نصوص غيره التي ظهرت في عصور بعيدة
– مستويات التفاعل النصي : عام وخاص :
– المستوى العام : حصول تفاعل نصي مع بنيات كلية كالخطاب التاريخي .
– المستوى الخاص : حصول تفاعل نصي مع بنيات جزئية كالرواية.
ف 3 : و في الفصل الثالث أظهر يقطين التعالق بين البنيات السوسيونصية والتفاعل النصي حيث لا يمكن فهم واستيعاب التفاعلات النصية إلا في إطار البنيات السوسيونصية في سياقها الثقافي والاجتماعي. وفي هذا الفصل استعاد يقطين كثيرا من أعمال ( بيير زيما) التي تندرج في إطار سوسيولوجيا النص الأدبي حيث حلل البنية الاجتماعية داخل بنية النص ومنها انتقل إلى وضع النص في إطار البنية السوسيونصية ليختم الفصل بالحديث عن الرؤيات والأصوات في أبعادها الدلالية.
– وقد كان سعيد يقطين في عمله هذا يراوح بين النظري والتطبيقي، فلا نظرية بدون تطبيق ولا تطبيق بدون نظرية لذا نجده لا يفصل الجانب النظري عن الجانب التطبيقي بل هما متوازيان ويكمل أحدهما الآخر، إذ نجد أنه يتوقف عند بعض أهم الروايات العربية ويمكن الإشارة إليها على الشكل التالي : رواية “” الزيني بركات “” لجمال الغيطاني ورواية ” عود الطائر إلى البحر ” لحليم بركات، ورواية ” أنت منذ اليوم ” ليتير سبول، و” الوقائع الغربية في اختفاء “سعيد أبي النحس المتثاقل “” لإميل حبيبي وتوقفه هذا عند هذه الروايات يشمل أهم المكونات التي ينبني عليها النص الروائي والتي تتجلى في مكون بناء النص ومكون التفاعل النصي و مكون البنيات السوسيونصية، ولقد انطلق في عملية بنائه لمشروعه النقدي هذا من تحديد دقيق بكل مكون من هذه المكونات الثلاثة، مستعرضا أهم الطروحات البويطيقية ومناقشة لما ورد فيها من قضايا . رابطا ذلك بالتصورات العربية القديمة حول كل مكون من المكونات خالصا في النهاية إلى طرح الاقتراح الشخصي له مبينا أسباب تبينه من الناحية الإجرائية والعلمية يقول الباحث عبد الفتاح الحجمري واصفا المجهود العلمي الذي قام به سعيد يقطين ” يستند تقديم المقترح المنهجي للسرديات وتشعبه لدى” سعيد يقطين على معانيه العديدة من الإعتبارات التصورية المرتبطة بتحليل الخطاب وإجراءاته المحددة للممارسة السردية التي اعتمدها في تعميق أسئلة القراءة وتحديد موضوع النظرية السردية بطموح علمي منفتح.
إضافة إلى هذا العمل السيميوطيقي الهام نجد سعيد يقطين في كتابه ” انفتاح النص الروائي ” قد فتح بابا جديدا في مشروعه النقدي الكبير ، هذا الباب هو ربط الإبداع السردي العربي الجديد بماضيه أي بالتراث السردي القديم الذي يتفاعل معه ، انطلاقا من تحليله لتمفصلات الرؤية السردية لرواية ” الزيني بركات ” لجمال الغيطاني و للعلاقة القائمة داخلها بين الخطاب التاريخي وبين الخطاب الروائي يهدف معاينة تميز خطاب الزيني بركات ” لجمال الغيطاني وللعلاقة” القائمة داخلها بين الخطاب التاريخي وبين الخطاب الروائي يهدف معاينة تميز خطاب الزيني بركات عن الخطاب التاريخي الذي متح منه المادة الحكائية التي اشتغل عليها :
– مساءلة التمثلات والمنهجية لسعيد يقطين :
1- قام سعيد يقطين من خلال هذا الكتاب بما يمكن تسميته “” النقد المزدوج ” ذلك أنه” وهو يقوم بعرض مختلف النظريات والآراء الغربية المتعلقة بحقل بحثه وهو السرديات، لا ينطلق من اعتبار تلك الآراء مسلمات يقينية بل إنه يضعها في إطارها النسبي، مادامت تلك الآراء مستخلصة من نصوص غربية غير عربية. 4
2- يقوم سعيد يقطين بين الحين والآخر بتقديم انتقادات إلى بعض تلك الآراء والمنطلقات كما فعل مع ” شلوميت”
(ص12) وحتى حينما يحمل تلاق بين تصوره وإحدى التصورات الغربية مثلما هم حاصل مع ” بيرزيما ” فإنه يستلهمه دون إسقاطه على النصوص العربية 5 .
3- إن المحاولة النقدية لسعيد يقطين هي محاولة جادة لتطوير وتطويع آليات النقد التحليلي في الغرب ومقاربته والخطاب الروائي العربي مع الحفاظ على الشروط الأساسية لآليات النقد و التحليل المنجز أساسا في الغرب.
4- يسعى سعيد يقطين في كتابه ” انفتاح النص الروائي ” إلى توسيع الاشتغال الروائي الأول في كتاب ” تحليل الخطاب الروائي ” والمتمثل في (القصة والخطاب )، وذلك بإضافة عنصر ثالث هو (النص ).
5- هذا التقسيم السردي الثلاثي الذي اعتمده الكاتب ( القصة – الخطاب – النص) مستمد من اللسانيات حيث يوازيه تقسيم لساني ثلاثي هو ( الصرف- النحو – الدلالة).
6- بناء على هذا التقسيم فإن عنصر القصة يقابله المستوى الصرفي وعنصر الخطاب يقابله المستوى النحوي وعنصر النص يقابله المستوى الدلالي .
7- لجوء الكاتب إلى عنصر النص في انشغاله الروائي نابع من قناعته بعدم الوقوف عند حدود التحليل اللساني الذي أضاف المستوى الدلالي بعد ما أحس بمحدودية المستويين الصرفي والنحوي.
8- إن المستويين الصرفي والنحوي أي القصة والخطاب ينتميان إلى السرديات البنيوية، أما المستوى الدلالي أي النص فإنه ينتمي إلى السوسيوسرديات .
9- إن الانتقال من الخطاب إلى النص هو انتقال من السرديات البنيوية إلى السوسيوسردية والعكس صحيح أي الانتقال من السرديات البنيوية إلى السوسيوسرديات و هو انتقال من الخطاب إلى النص .
10- إن تحليل الجوانب البنيوية الشكلية في كتاب ” تحليل الخطاب الروائي ” دون الالتفات إلى الجانب الدلالي منسجم مع تصوره الراغب في توسيع مجال السرديات دون حصرها في نطاق الخطاب، والراغب أيضا في التمييز بين الخطاب والنص.
11- إذا كان ” الخطاب الروائي” ينتمي إلى السرديات البنيوية فإن ” انفتاح النص الروائي ” ينتمي إلى السوسيوسرديات والاتجاه البويطيقي يشملهما معا .
12- انتماء ” انفتاح النص الروائي ” إلى السوسيوسرديات يعني انتماؤه إلى قراءة منفتحة تسعى إلى توسيع حلقات الدلالة و تكشف المخبأ المغيب خلف الظاهر .
13- المتن الروائي الذي اشتغل عليه سعيد يقطين يختلف من حيث أمكنة انتماء أصحابه وإن كانوا عربا ولكن يلتقي جوهريا في نقطة محددة وهي كونه ينتقد هزيمة 1967 6 .
14-هذا المتن الروائي الذي اشتغل عليه سعيد يقطين في كتاب ” انفتاح النص الروائي ” من خلال المكونات الثلاثة :
( بناء النص – التفاعل النصي – البنيات السوسيونصية) هو نفسه الذي اشتغل عليه في كتاب ” تحليل الخطاب الروائي” من خلال مكونات الخطاب الروائي الثلاثة : ( الزمن – الصيغة – الرؤية السردية)
خاتمة :
تأسيسا على ما تقدم يمكن القول إن المشروع النقدي لسعيد يقطين عبر كتابه ” انفتاح النص الروائي” : النص – السياق” مشروع يستحق الاهتمام،فهو يتميز بانفتاحيته وقابليته لإجرائية مع محافظته على أهم الثوابت المشكلة له.”
كما أنه يفتح آفاقا واسعة أمام الباحثين في المجال السردي ويمكنهم عبر التفاعل معه من المساهمة في خلق نظرية للسرد العربي متفاعلة مع النظريات السردية العالمية ومحتفظة بخصوصياتها في نفس الآن .
– هوامش وإحالات :
1- انفتاح النص الروائي، 1989 ، ص 32 .
2- السرديات في نماذج من النقد المغربي : عبد الفتاح الحجمري ، مجلة فكر ونقد، ع 6 ، 1998.
3- تحليل الخطاب الروائي ، 1989 ، ص 368 .
4- الخطاب والنص من خلال أطروحة سعيد يقطين : أحمد بلخيري، مجلة ديوان العرب .
5- مشروع لنقد الرواية ، التحليل الروائي : سعيد يقطين.
6- المشروع النقدي عند سعيد يقطين نور الدين محقق ، مجلة دروب .

أضف تعليقاً

Your email address will not be published.