هل الكتاب المغاربة في حاجة إلى اتحاد للكتاب ؟

  1. 1.    تقديم : لنطرح السؤال الإشكالي:

    كنت أفكر في نشر هذه المقالة قبيل انعقاد مؤتمر اتحاد كتاب المغرب السابع عشر. وخشيت أن تقرأ قراءة غير ملائمة لتأخر الوعي النقدي ببلادنا فتؤول تأويلا ظرفيا فتنتفي بذلك المقاصد البعيدة التي أرمي إليها والتي تتجاوز عقد مؤتمر وانتخاب مكتب مركزي وأجهزته الأخرى. ومع انتهاء أشغال الاتحاد ، ارتأيت نشر هذه المقالة عسى أن تحفز على التفكير وتفتح نافذة للتأمل في واقعنا الثقافي بصورة عامة ووضع كتابنا وإنتاجنا الفني والأدبي بصورة خاصة.

   يحتمل العنوان الذي وضعته عدة قراءات . لقد جاء على صيغة سؤال . وككل الأسئلة ذات الطابع الإشكالي لا يمكننا الجواب عنه بنعم أو لا . إن في ذلك سلبا لإشكالية السؤال التي تدعو إلى التأمل والتفكير، وليس إلى التسرع الذي هو وليد الرؤية الجاهزة والتصور المسبق الذي يقول مدافعا : نعم الكتاب في حاجة إلى الاتحاد ، أو مهاجما : ما جدوى الاتحاد ؟ إنه لم يقدم شيئا للكتاب …

   لا أريد أجوبة حاسمة ، سلبا أو إيجابا ، لأن في ذلك قتلا للسؤال وإجهازا على محمولاته الدلالية الممكنة. وبما أني مطالب بتقديم جواب ما دمت قد اقترحت السؤال ، سأبدأ بالتفكير في ما يحتاج إليه الكتاب المغاربة ، بمنأى عن الاتحاد ، أي في غيابه ، ثم أثني بالحديث عما يحتاجه الاتحاد من الكتاب ليكون فعلا اتحادا للكتاب .

2 . حاجات الكاتب المغربي :

    يحتاج الكاتب المغربي لأنه إنسان يكتب إلى أشياء كثيرة يفتقدها في واقعنا الحالي. لعل أهم هذه الأشياء ليس أن تكون له ” بطاقة ” عضوية . إنها ليست في الواقع الفعلي سوى ” بطاقة ناخب” يستعملها في المؤتمر ، وعليه أن يجددها في المؤتمر الموالي ليشارك في أشغاله مصوتا على مكتب جديد وأعضاء جدد. أما ما خلا ذلك فلا صلاحية لها.

   إن الأشياء التي يفتقدها الكاتب المغربي كثيرة، كما قلت، وسنركز على أهمها:

2 . 1 . الناشر الثقافي :

   أفرق بين الناشر الثقافي والناشر الكتبي . وما هو موجود عندنا هو الناشر الكتبي ( بائع الكتب ) . الناشر الكتبي يستجيب لمتطلبات السوق والكتب التي تبيع نفسها لأسباب عديدة تتعلق بنوعية الكتاب واسم الكاتب. ويقف دوره عند حد انتظار المشتري الذي يعمل على تحقيق أفق انتظاره.

   أما الناشر الثقافي فهو لا يقف عند حد القارئ الجاهز، ولكنه يعمل على خلق جمهور جديد. ولا يكتفي بنشر الكتاب ، ولكنه يعمل على تطوير آليات ترويجه بإقامة لقاءات التوقيع ( ليس فقط بمناسبة المعرض السنوي للكتاب ) والقراءة وخلق فرص متعددة للتعريف بالكتاب في مختلف المناطق وبكيفية متواصلة ومستمرة. أي أنه في حاجة إلى” فلسفة ” للنشر و” سياسة ” للترويج. وكل ذلك يستدعي مجهودا مضاعفا وعملا إضافيا.

   لا يمكن للناشر الكتبي أن يتحول إلى ناشر ثقافي في المغرب لأن هناك مصاريف ومجهودات أخرى عليه أن يضطلع بها ، وهناك ، أيضا عوائق عديدة عليها أن يواجهها . وإلى جانب ذلك ( وهذا هو الأهم ) هناك ” ثقافة ” خاصة تربى عليها . وأمام كل هذه العوائق والمجهودات والمصاريف ، وتلك الثقافة ، يفكر أن يظل ناشرا كتبيا ، يتلخص كل همه التجاري في الاستمرار في الوجود ، وضمان ما يسد به حاجاته . هذا الناشر الثقافي ، غير موجود وهو ما يحتاجه الكاتب المغربي.

2 . 2 . الإعلام الثقافي :

    الإعلام الثقافي ببلادنا متأخر جدا لأنه يعكس صورة الإعلام المغربي إلى الثقافة والأدب. يتساوى في ذلك الرسمي والشعبي ، الحزبي والخاص ، اليمين واليسار . قد يعترض معترض بأن هناك ملاحق ثقافية وصفحات خاصة ومجلات ،،، لكن كل ذلك لا يعني إلا أن الأدب والثقافة لا يحظيان بما يتلاءم معهما في إعلامنا السمعي والمرئي والمكتوب والإلكتروني .

    فالصفحات الثقافية فقيرة جدا ، والكتاب المغاربة لا يساهمون فيها، والمسؤولون عن هذه الصفحات يكتفون بما تحمله إليهم صناديق البريد ، ولا يقومون بالمبادرات الإيجابية ، وينشرون الغث أكثر من السمين. من أراد أن يعرف مساهمات المغاربة في الكتابة الإبداعية والنقدية عليه أن يقرأهم في الصحافة الخليجية والصحافة العربية المهاجرة. والسبب في ذلك يعود إلى أن تلك الصحافة تقدم مكفآت مجزية للكتاب.

   لماذا لا يكافئ الإعلام المغربي الكاتب المغربي؟ هل الكاتب المغربي لا يبذل جهدا مضنيا في كتابة القصيدة والقصة والمقالة والحوار؟ لماذا يساوي عمود لكاتب مغربي في جريدة مشرقية مائة أو مائة وخمسين دولارا ، ولا يساوي العمود نفسه ، في جريدة مغربية حتى شكرا ؟

   جاء صحفي من الجزيرة ليجري معي لقاءين حول كتاب ألفته وآخر قرأته . وبعد ربع ساعة من الحديث عما ألفت وقرأت ، سلمني أربع مئة دولار ، ومع الاعتذار عن هزالة المكافأة التي اعتبرها ” رمزية ” ؟ كانت بالنسبة إلي مفاجأة . كم تصريح ، وكم مداخلات مطولة وفي عز الليل أو وقت القيلولة مع الإذاعة الوطنية ، ومع الأولى ، ومع الثانية ، ولا صولدي أصفر؟ بل عليك أن تصرف من جيبك ثمن السفر . لا أكذب ، في آخر لقاء لي في الثانية سلمت مائة درهم ، ثمن التنقل من الرباط إلى عين السبع ؟

    هل الإعلام المغربي فقير إلى هذا الحد ؟ أم أنها ” الثقافة ” التي تحدثنا عنها مع الناشر الكتبي هي إياها ؟ بل لقد صار بعض الناشرين يشترط على المؤلف ، الآن ، أن يدفع من مصاريف بيته وأولاده ما يجعله يرى كتابه في السوق ؟ هذا الإعلام الثقافي المتطور الذي يكافئ الكاتب المغربي على كتاباته ، أي على المجهود الذي يبذله في الكتابة ، ويسهم في التعريف بها ، بصورة مرضية ، هو ما يحتاج إليه الكاتب المغربي ثانيا.

2 . 3 . المواكبة النقدية :

   الكاتب المغربي محروم من المكافأة “المادية” من النشر ومن الإعلام . ومحروم أيضا من المكافأة ” الرمزية والمعنوية” : القراءة النقدية . لا أحد يقرأ إنتاجه أو ينتقده أو يكشف عن خصوصياته . وشكوى الكاتب هي عينها شكوى الناقد والمفكر … في غياب الاحتفاء بالكتاب ، إبداعا ونقدا ، من لدن الوسائط الجماهيرية ، وفي غياب تنظيم حلقات دائمة في التلفزة لمناقشة الكتب والتعريف بها في لقاءات متعددة ومتواصلة كيف يمكن وصول منتوج الكاتب إلى القارئ المغربي؟ وفي غياب فضاءات للتواصل بين الكاتب والناقد كيف يمكن تقويم الكتب ؟ ونقدها ؟

    من يكتب في المغرب مناضل حقيقي. فمن يكافئ هذا المناضل ؟ يقول لسان الحال المغربي : المناضل متطوع ، وهو الذي يفعل ذلك من تلقاء نفسه ، وعليه أن يدفع فاتورة اختياره أن يكون كاتبا ؟ ويقول له الناشر ، والإعلامي إذا نشرت لك فأنا صاحب فضل عليك : فأنا قدمتك للقراء ، ويقول له الآخر : جعلت نصوصك قابلة للقراءة. وعلى الكاتب المغربي أن يصرف على ” مكتوباته ” ما دام قد اختار أن يكون كاتبا ، أوعليه أن ينخرط منحازا إلى هذه الجهة أو تلك لضمان نشر نصوصه ، وجعلها قابلة للقراءة أو للتداول . ولا يمكن لهذا الانحياز إلا أن يجعله ” كاتبا ” ضد ” كاتب ” أي منتميا إلى إحدى الحلقات ضد حلقات أخرى . والضحية في هذه الاصطفافات هي ” الكتابة ” المغربية الحقيقية .

    فكيف يمكن أن يكون هناك نشر ثقافي أو إعلام ثقافي أو مواكبة نقدية ، عندما لا تكون هناك كتابة حقيقية ؟

2 . 4 . الكتابة الحقيقية :

   إن غياب الحاجات السابقة غيابا مطلقا ، لا يمكن إلا أن تؤدي إلى غياب “الكتابة الحقيقية ” . ليس لغياب المواهب أو العقول ، ولكن لسبب رئيسي ، في رأيي هو : أن من ينشغل بسفاسف الأمور وتوافهها وانغماره في شؤونها لا يمكنه أن يفرغ نفسه ، أو يتفرغ لمزاولة الكتابة ” الحقيقية ” التي ينشد منها الكاتب الارتقاء بتجربته الإبداعية والنقدية إلى المستوى الأرقى. لذلك نجد الكتابة مستسهلة وسريعة لأن المناخ الذي تتكون فيه يجعل المنخرطين في المجال الكتابي ينشغلون بقيم بسيطة ، ولا يسعون إلى نشدان “الكمال ” عن طريق التكوين الذاتي المستمر والعمل الاحترافي الشاق والمتواصل. هناك من الكتاب والنقاد المغاربة من ينهجون هذا السبيل ، ولكنهم للأسف الشديد قلة قليلة أمام المئات من الكتاب الذين يحملون بطاقة عضوية الاتحاد. وما دمنا ، نحن الكتاب ، لا نعمل على الإحساس بالدور الثقافي والوطني  الذي علينا الاضطلاع به على النحو الملائم ، فإن الوضع الذي نرفضه جميعا لا يمكنه إلا أن يستمر. إن الكتاب مدعوون إلى الإنتاج والتفكير في السمو بالإبداع والنقد إلى مرتبة عليا .

   لا أقدم سلخا للذات أو جلدا لها ، كما صار يحلو للبعض أن يبرر واقعنا بهذا النوع من التعابير. إننا نتحمل جميعا مسؤولية واقعنا الثقافي والأدبي . من السهولة بمكان أن نلقي المسؤولية على الناشر والإعلامي والناقد أو على اتحاد الكتاب . لكن الكتاب أيضا يتحملون مسؤولية ما جرى وما يجري وما سيجري. إنها دائرة مترابطة الحلقات ، يمسك بعضها بالآخر ويسهم كل ذلك في مراوحة المكان.

3 . على سبيل التركيب:

   وصولا إلى هذه النقطة من الوصف والتشخيص نقول : الكتاب المغاربة في حاجة إلى أشياء كثيرة . بعضها موضوعي ، وبعضها الآخر ذاتي . وأرى أن تحقيق ما هو ذاتي هو المنطلق : الحاجة إلى الكتابة الحقيقية . ودون تحقيقها نقاش لم يتم وحوار لم يفتح . إننا نرى أننا جميعا كتاب وكفى . لا نقلل من أهمية الجوانب الموضوعية ، ونرى أنها حاجات ضرورية لا بد من توسيع دائرة  الحوار بصددها والعمل على تجاوزها .

     هذه الحاجات الموضوعية هي أكثر مما وقفنا عليه ونحن مطالبون بخوض نقاش صريح وموضوعي بشأنها . فهل حاجة الكتاب إلى اتحاد هي لتحقيق هذه الحاجات ؟ ويقودنا ذلك إلى التساؤل:كيف يمكن لاتحاد كتاب المغرب أن يسهم في تفعيل الإعلام الثقافي والنشر الثقافي والمواكبة النقدية ؟ بأي آليات ؟ ووفق أي تصور ؟ وإذا ما توفرت هذه الحاجات فهل يلغي ذلك الحاجة إلى الاتحاد ؟ لا نريد أجوبة سريعة ومستعجلة . نريد التفكير في واقع من أجل واقع أحسن . ويحق لنا ، لتعميق التفكير ، أن نقلب السؤال الذي طرحناه في عنوان هذه المقالة إلى سؤال آخر : هل اتحاد كتاب المغرب في حاجة إلى كتاب ؟ أم أنه مكتف بذاته لتنشيط الوسط الثقافي ، والعمل على توفير الحاجة إلى ” الكتابة الحقيقية” وكل الحاجات الحيوية للكتاب ؟ وذلك موضوع آخر للتفكير والتأمل،،،

 

أضف تعليقاً

Your email address will not be published.