اتحاد كتاب المغرب أو الأفق المسدود

من أجل ميثاق ثقافي وطني

سعيد يقطين

    لقد وصل اتحاد كتاب المغرب إلى الأفق المسدود ، لأنه ظل يستهلك مشاكله ويعيد إنتاجها حتى انتهى إلى المآل الطبيعي الذي يجد حاليا فيه نفسه : التجميد التلقائي. كان يمكن تدارك هذا الأفق منذ المؤتمر العاشر حين أعلنت بوضوح أن مشكل اتحاد كتاب المغرب ليس ماديا بالدرجة الأولى. وأن منحه صفة الجمعية ذات النفع العام التي تسمح له بتلقي الهبات وجمع التبرعات لن يحله مشكلتيه المركزيتين : الديموقراطية وتغييب التصور الثقافي.

   عبرت وقتها علانية أن مشكل الاتحاد يتمثل في غياب تصور ثقافي محدد للعمل الثقافي . لقد ظل يشتغل كـ” جمعية ثقافية ” وفق الآليات التي ترسخت منذ المؤتمر الخامس، والتي كانت استجابة لظروف وشروط وطنية وقومية وعالمية خاصة. كان ذلك أواسط السبعينيات . لكننا ونحن على بوابة الألفية الثالثة وقعت تحولات جوهرية على أصعدة شتى. لكن الاتحاد ( أجهزة وقواعد؟ ) بدل الإنصات إلى هذا التحول الكبير ، ظل يفكر بالآليات التقليدية والقديمة : توافقات بين الأطراف السياسية على انتخاب المكتب المركزي ومكاتب الفروع ، إصدار المجلة ، إقامة أنشطة ثقافية متنوعة،،،

   جاء المؤتمر الأخير ليكون النقطة التي أفاضت الكأس ، ولتجسد المآل الطبيعي الذي انتهى إليه : الجمود . غاب التوافق بين أعضاء المكتب التنفيذي فتوقف كل شيء؟

    ليس سبب هذا الجمود أو التجميد الذاتي هو الصراع حول خطة العمل أو التصور الثقافي الذي بمقتضاه ينخرط الكتاب والأعضاء في قضايا المجتمع والثقافة والأدب.ولكنه صراع حول “مناصب ” و” ومواقع ” . هذا على مستوى المكتب التنفيذي . أما الفروع فهي في عالم آخر . وكذا باقي الأعضاء غير مشغولين بآفاق الاتحاد . كيف يجمد الاتحاد بضعة أعضاء ، ولا أحد يحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهم ؟ إنهم ينتظرون ماذا ؟ إصلاح ذات البين. كانت محاولات للمصالحة . وكان مآلها الطريق المسدود .

   إن الذي أدى إلى هذا الوضع هو غياب التصور الثقافي . وهو الوضع نفسه الذي نجده على مستويات أخرى سياسية وإعلامية . فالأحزاب والمؤسسات الإعلامية بمختلف ألوانها وأطيافها ، تتنافس وتتصارع ، ليس من أجل الارتقاء بالمجتمع لمواجهة مختلف التحديات التي يفرضها العصر ، ولكن من أجل احتلال موقع في السلطة أو المال أو فيهما معا ، وكيفما كانت الأساليب ومهما كانت السبل: الحصول على ” مقاعد” في المجالس أو الغرف من جهة ، أو رفع المبيعات ، من جهة أخرى . فلم يبق الاختلاف مبنيا على رؤية فكرية أو إيديولوجية ، ولكن على أشياء أخرى لا علاقة لها بالفكر ولا بالمجتمع . وبالنسبة للكتاب صار تحقيق أكبر عدد من السفرات أو المكافآت هو الهم الأساس. وحصيلة كل هذا التهافت وضع سياسي وإعلامي وثقافي ، نختزل كل الأوصاف التي يمكن أن تنسحب عليه في كلمة واحدة لبقة : سيادة الرداءة.

      كيف يمكن لاتحاد كتاب المغرب أن يتجاوز هذا الوضع الذي  خلقه لنفسه؟ وانتهى إليه؟

   إن كل مساعي المصالحة ، أو الإقالة أو الاستقالة أو المؤتمر الاستثنائي أو غيره ،،، لا تؤدي في رأيي إلا إلى استعادة وضع لم يبق ما يبرر استمراره . ذهب رئيس وجاء رئيس. وغاب أمين وجاء أمين ، ودار  لقمان على حالها.

   أفق اتحاد كتاب المغرب رهين بالتفكير الجماعي والجاد والمسؤول لإعداد تصور ثقافي جديد ، يتناسب مع حجم التحولات الكبرى التي يعرفها المغرب على المستويات كافة . والعمل من أجل ميثاق ثقافي وطني ، يستعيد به المثقف والكاتب دورهما في المجتمع . ما عدا ذلك ، ليس في رأيي سوى ترقيع لا يحل المشاكل التي تراكمت منذ أكثر من عقد من الزمان .

   فهل يمكن للاتحاد أن يكون له أفق ؟ لا أظن . أقولها بمرارة ، لأن الذهنيات التي استمرأت التواجد في الاتحاد ، وفي غيره من الجمعيات والمؤسسات ، لم يعد يهمها العمل الذي ” انتخبت ” من أجل أدائه ، ولكن الاستفادة من الموقع الذي صارت “تحتله ” ووصلت إليه بشتى الطرق والأساليب. ومعنى الاحتلال هنا دال على ما نقول . لست متشائما بما فيه الكفاية . ولكن تغيير الذهنيات أصعب من تغيير الأشخاص . فهل تتغير ذهنيات الكتاب والمثقفين لتنخرط في تقديم صورة أخرى عما آلت إليه المؤسسات الثقافية والسياسية والنقابية والإعلامية المغربية ؟ أم أنهم سيظلون صورة عن الواقع الذي يعيشون فيه ؟ ذلك هو السؤال . وكيفما كانت صيغة الجواب عنه ، فذلك هو : أفق الاتحاد والمغرب الثقافي أيضا.

    لقد نفض السياسيون أيديهم من الاتحاد ، كما نفضوها من أشياء أخرى،وعلى رأسها الأخلاق السياسية ،  فالأحرى أن يبين الكتاب أنهم لا يزالون يمثلون ضمير الأمة اليقظان ، بمنأى بمن ظلوا أوصياء عليهم ، ويختطوا لأنفسهم مسارا يتجاوزون به هذا الأفق المسدود ، بانتهاج سياسة ثقافية جديدة ، قوامها التنظيم الثقافي الذي ينفتح على كل الحساسيات الإبداعية والكتابية ، وممارسة الديموقراطية في التعامل بينهم ، بدون الحساسيات الذاتية المغرقة في الحسابات الضيقة . ويكون مدخل ذلك العمل بمشاريع ثقافية تكون أساس التعاقد والمحاسبة ، وركيزة العمل الجماعي المنظم والمسؤول ، والذي تكون قاعدته الأساسية : الارتقاء بالكاتب والكتابة إلى مستوى أعلى يليق بهذا المغرب الذي ننتمي إليه وجودا ووجدانا . وبذلك نسمو بالثقافة الوطنية في كل تجلياتها من منظور مفتوح على الإنسان والمستقبل.

   ما خلا ذلك في رأيي  : إعادة إنتاج الرداءة.

أضف تعليقاً

Your email address will not be published.