من أجل ميثاق وطني بين الحكومة والمعارضة

 

الأربعاء 7 مارس 2012، جريدة الصباح

كان الشعب يخاف السلطة ويهابها ، ولا يحترمها، بمعنى أنه لا يراها تمثل طموحاته وتجسد مطالبه.

    حين كتبنا في حديث سابق عن “الحكومة المنسجمة” و”المعارضة الموحدة” كنا نريد بذلك الإشارة إلى ضرورتين: الارتقاء إلى متطلبات المرحلة، وما تستدعيه من تضافر الجهود بوعي ومسؤولية، من جهة. ومن جهة ثانية خلق مواثيق وتعاقدات جديدة للتعامل والتواصل بين مختلف مكونات المجتمع السياسي، حكومة ومعارضة، من ناحية، وبين مختلف مكونات الشعب المغربي، من ناحية أخرى.

   إن الضرورتين معا مشروطتان بتجديد النظرفي واقع التطور ، بغية إيجاد دينامية جديدة للعمل تتجاوز ما تراكم من ممارسات لم تكن تؤدي دائما، وفي كل مرحلة جديدة من تاريخنا الحديث، إلا إلى الطريق المسدود.

    لا يمكن للميثاق الجديد  الذي نومئ إليه أن يتشكل بين مكونات الحكومة إلا على أساس التواصل القائم على الشفافية. كما أن ميثاق المعارضة لا يمكن أن ينهض إلا على أساس التفاعل المبني على تجسيد المصلحة الوطنية.

   إن التواصل والتفاعل وجهان لعملة واحدة، وكذلك الشفافية والمصلحة الوطنية. تقتضي الشفافية الصراحة والوضوح في العمل. وأي فريق، كيفما كان نوعه، وبالأحرى الحكومة، عندما لا تسود مكوناته العلاقات المبنية على الوضوح فتلك علامة الفشل في التواصل، فيكون الفريق مستهدفا للنيل من مصداقيته وجديته.

   أما المصلحة الوطنية، فتفرض على المعارضة أن ترتقي إلى ممارسة دورها بمنأى عن أي تعصب حزبي، أو رغبة في اكتساب انتصارات حزبية خاصة. فالخطاب المعارض حين يضع ضمن أولوياته خدمة القضايا الكبرى للوطن، يخدم بكيفية مباشرة مبادئ خاصة تتصل بالتقدم، وفي ذلك انتصار لتصور على آخر.

   إن تحقيق الشفافية وتغليب المصلحة الوطنية مطلب حيوي لدى كل من الحكومة والمعارضة، لسبب بسيط هو أن كلا منهما يضم أمشاجا من التصورات والرؤيات غير المنسجمة وغير المؤتلفة. فالحكومة، بكل مكوناتها مدعوة، بدورها إلى تغليب المصلحة الوطنية ووضعها فوق كل اعتبار. أما الرغبة في تحقيق المكاسب الحزبية الخاصة، فلا يمكنها إلا أن تصطدم بما يمس بمصداقيتها وأهليتها للتغيير. ويمكن قول الشيء نفسه عن المعارضة وعلاقتها بالشفافية بين مختلف مكوناتها. إنه إذا لم يحصل الوضوح في المعارضة التي ينبغي أن تشتغل بدورها كفريق متكامل، فإنها ستظل عاجزة عن القيام بواجبها كما يفترض أن تقوم به.

    نعتبر هذا الميثاق الجديد، بين الحكومة والمعارضة، في بعديه التواصلي والتفاعلي، وفي علاقته بالشفافية والمصلحة الوطنية، ذا طبيعة أفقية. إن تحقيقه كفيل بالاستجابة لأفق انتظار وطني ـ تاريخي. يتمثل هذا الأفق في تجسيد حلم واحد: توليد الثقة لدى الشعب المغربي في العمل السياسي، وفي المجتمع السياسي سواء كانت مكوناته داخل  الحكومة أو خارجها، وسواء تعلق الأمر بالأحزاب خارج الحكومة والمعارضة، سواء بسواء.

    شددنا على هدف”توليد” الثقة لدى الشعب المغربي ، ولم نقل “إعادة” الثقة لدى الشعب المغربي، لأن الشعب لم تكن عنده الثقة أبدا في السياسة والسياسيين، وفي كل تاريخنا الحديث. كان الشعب يخاف السلطة ويهابها ، ولا يحترمها، بمعنى أنه لا يراها تمثل طموحاته وتجسد مطالبه. يذهب إلى التصويت، وهو يعرف مسبقا أن النتيجة معروفة قبل مشاركته. وكان يأمل الخير في الحزب والنقابة، ولكنه في الوقت نفسه، كان لا يثق في المؤسسة السياسية والنقابية. ويرى أن المتحكمين فيها يقضون مصالحهم على حسابه. ولعل قراءة سوسيولوجية تاريخية وموضوعية تبحث في علاقة المواطن المغربي بالسياسة كفيلة بالوصول إلى تأكيد تلك النتيجة. ويكفي أن ننظر في انتخابات 2007 لدعم هذه الرؤية.    لطالما تحدثنا عن العزوف السياسي في المغرب من قبل الشباب، ولكننا لم نتوقف قط  للبحث عن أسباب هذا العزوف.

     لطالما وقعت انشقاقات داخل المؤسسة الحزبية والنقابية، ولم يتم قط التوقف لتحليل دواعيها والأسباب المؤدية إليها. كان لسان حال الجالس على كرسي الحزب والنقابة يقول لمعارضيه” الباب أوسع من أكتافكم”. كانت المؤسسة الحزبية والنقابية “حكومة” في الظل. وتتصرف تماما ككل الحكومات المتعاقبة،  لذلك لم يكن فيها مجال للمعارضين. ولذلك لم يكن الحزب في حاجة إلى المناضلين إلا للتعبئة لحركة أو لانتخابات. وتبين أن الاستفادة لم تكن إلا لفئة وأتباع وجماعات، وأثبتت التجربة ذلك. فكان أن ابتعد “المناضلون” ولم يبق إلا من ينتظر نوبته لتحقيق مآربه في الحصول على كرسي في جماعة أو برلمان أو ديوان أو وزارة.

   إن تاريخ الممارسة السياسية في المغرب، بسبب غياب التواصل والتفاعل، والشفافية والمصلحة الوطنية، أوصل الشعب إلى الاقتناع بعدم جدوى الانخراط في العمل السياسي. وإذا انخرط فيه لداع  أو لآخر، فسرعان ما يبتعد عنه، مقتنعا بعدم فائدته. فالحكومة، أي حكومة لا تمثله، والحزب، أي حزب، وإن رفع شعارات مطلبية تهمه، فإنه لا يدافع عنه. لذلك شاع اليأس والتشاؤم من المستقبل. وانعدمت الثقة في الخطاب السياسي الذي لم يبق له شكل ولا دلالة. فصارت كل الخطابات متشابهة لأنها تعزف مجتمعة نغمة واحدة لا تثير أحدا ولا تستفز واحدة. ويكفي أن نتذكر الحملات الانتخابية المتعاقبة لندرك مدى عدم التجاوب الذي كان ساريا مع هذه الخطابات.

    لمجتمعنا الحديث ذاكرة جماعية لأنها وليدة تاريخ حي ما يزال مستمرا. لا بد من إعادة قراءة هذا التاريخ لدى الفاعلين السياسيين برؤية جديدة ووعي تاريخي جديد، لتجاوز الطريق المسدود الذي أوصلتنا إليه رؤيات وممارسات سياسية متعاقبة. ولعل العمل بمقتضيات ميثاق جديد للتواصل والتفاعل بين مكونات المجتمع السياسي لتحقيق غايات سامية، لأنها وطنية، هو الكفيل بخلق الثقة في العمل السياسي ووضع خطوات الفعل السياسي الناضج والمنتج على سكة جديدة تستجيب للمطالب الكبرى، وإلا فإننا سنظل نراوح المكان، وإن تغير الزمان

.http://www.assabah.press.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=23567:2012-03-07-15-00-39&catid=37:cat-laune&Itemid=782