واقع الأدب اليمني

واقع الأدب اليمني

  نشر في الملحق الثقافي  لصحيفة الثورة وفي موقع المقة

كتبهابشير زندال ، في 26 فبراير 2009 الساعة: 12:41 م

http://zendal.maktoobblog.com/

 

أجرى الحوار   بشير علي زندال

        قليلون هم أولئك الذين يشكلون علامة فارقة في مسيرة الثقافة العربية ومنهم  الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين الذي يتمتع  بحضور كبير بين كتاب النقد في الوطن العربي منذ كتابة الأول ؛ القراءة والتجربة : حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب الصادر عام 1985 . و يعتبر من أوائل من اهتموا – في النقد العربي – بالأدب الرقمي . بل إن كتبه الأخيرة و التي منها الأدب والمؤسسة والسلطة : نحو ممارسة أدبية جديدة , 2002 و “من النص إلي النص المترابط: مدخل إلي جماليات الإبداع التفاعلي”، الصادر عام (2005) . تحاول أن تؤسس لنظرية فكرية ونقدية عربية جديدة. قابلته في قاعة المدرسين بكلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط لأسلمه كتاباً أهدته له الناقدة المعروفة الدكتورة وجدان الصائغ ثم  تجرأت و أفصحت عن رغبتي في إجراء حوار معه فرحب و بدأنا الحوار عن هموم الأدب اليمني .

الأسئلة  :

1 –   نبدأ من اليمن و الرواية فيها ,علمنا أنكم شاركتم في مهرجان للرواية أقيم في اليمن قبل عدة سنوات , برأيكم  إلى أين وصلت الرواية و القصة اليمنية و ما الذي ينقصها ؟

جواب : فعلا شاركت في ملتقى نظمه نادي القصة اليمنية ( المقة ) ، ولقد أتيح خلال هذا اللقاء الوقوف على ما تحقق في اليمن على المستوى السردي ( في القصة والرواية والنقد السردي ) ، كما تمكنت من التعرف على العديد من الأسماء التي لا أزال أتواصل مع بعضها . لقد تبين لي من خلال تلك الرحلة أن اليمن بلد معطاء وهو زاخر بالإمكانات الطبيعية والبشرية ، ويمكن أن يقدم لنا علامات متميزة في المجال الإبداعي والنقدي ، وهناك مؤشرات كثيرة دالة على ذلك .ويبدو لي أن واحدة من كبريات المشاكل التي تواجه الكاتب اليمني غياب دور للنشر والتوزيع التي تسمح لإنتاجه بالتداول في السوق العربية . صحيح بات الأمر مع النشر الإلكتروني قابلا للتجاوز . وفعلا يمكن للقارئ الآن من خلال بعض المواقع اليمنية المتميزة مثل ” المقة ” و” عناوين ثقافية ” للصديق محمد السلامي أن يكون فكرة عامة عما ينشر في اليمن ، لكن هذا غير كاف .

الروائي والقاص في اليمن يشق طريقه بحثا عن التميز وفرض الذات . وبدأنا نجد فعلا بعض الأسماء التي تفرض وجودها عربيا . ويكفي أن أذكر حبيب عبد الرب سروري و وجدي الأهدل و المقري و الكوكباني ،،، وأسماء كثيرة أخرى. لكن الإقدام على كتابة السرد الروائي ما يزال ضعيفا . إن الكم الروائي هزيل جدا لأسباب كثيرة لأنه من خلال الكم يمكن أن يظهر الكيف. والعمل الروائي يتطلب العمل الدؤوب وطول النفس والصبر . وعندما لا يعطي الكاتب نفسه مهلة طويلة للتفكير في عوالمه وصياغتها لا يمكنه إلا أن يقدم عملا سريعا وقصيرا . ولهذا السبب لا يزال الشعر والقصة القصيرة هما المهيمنان .لكن لو تم تجاوز هذا النقص ، لقدم لنا الروائي اليمني نصوصا متميزة بسبب غنى الفضاء اليمني وثرائه.

2- برز شكل جديد للقصة القصيرة و هو القصة القصيرة جداً أو الأقصودة ما رأيكم كناقد بهذا الشكل الجديد و هل سيدوم أم انه سيتلاشى؟

جواب : أنا من المؤمنين بالأجناس الأدبية ، وضرورة الكتابة في نطاقها . وأرى أن الأنواع استجابة للظروف والتحولات . وهي تظهر وتتلاشى لشروط وملابسات محددة . والقصة القصيرة جدا تأتي ، في رأيي ، لتجاوز محدودية تداولية نوعين أدبيين كانا مهيمنين سابقا هما القصة القصيرة والقصيدة. فالقصة القصيرة أخذت مكانتها الرواية التي تحول إليها أغلب كتاب القصة .وأما القصيدة فأدخلها التجريب والنثرية في مأزق بسبب إقدام غير الموهوبين على اقتحامها فكثر الغث وضاع المهم . ولذلك فالقصة القصيرة جدا عملت على تجاوز هذين النوعين بإدماجهما في نوع جديد : فسرقت من الأول سرديته ومن الثاني شعريته ، فجاءت نوعا مركبا يعتمد الذكاء والحس التعبيري . أنا معجب بهذه التجربة ، وأغلب الذين يكتبونها في مختلف أقطار العالم العربي يتفنون في تنويع تجاربها وصوغ عوالمها . لكني لم أقرأ دراسة نقدية متميزة تعطيها دفعة نحو التطور والازدهار. أما مسألة ديمومتها أو تلاشيها فرهينة بقدرة المبدعين أو عجزهم ، ويتحمل النقد جزءا من المسؤولية في ذلك سلبا أو إيجابا .

3- كتبتم دراسات شتى في الرواية العربية , برأيك إلى أين وصلت الرواية العربية ؟

وصلت الرواية العربية إلى مرحلة من التطور ، لم يعد يسمح لها بأن تستمر بدون تجديد أدواتها وأساليب كتابتها وموضوعاتها. فالتجربة الروائية التي تكتب الآن في العالم العربي هي ، بشكل أو بآخر ، امتداد للرواية التجريبية التي دشنت في الستينيات في مصر . وكل الأساليب التعبيرية الجديدة تم استنفاذها . وحتى الموضوعات في أبعادها الواقعية و التخييلية و العجائبية صارت متداولة . لذلك نجد تجارب لكتاب متعددين لكننا لا نجد تجربة ذات ملامح محددة . ويقلل هذا من أثر الحضور الروائي على المستوى العربي . لذلك أرى أن المخرج من النفق التي تعيشه الرواية العربية رهين بالكتابة في أنواع روائية محددة ونعمل على تطويرها بالاتصال بالواقع العربي وخصوصياته من جهة ، والإقدام من جهة ثانية ، على الانخراط في الكتابة الرقمية . وإلا فإن الرواية إذا لم تجدد أدواتها وطرائق تعبيرها وعوالمها بارتياد آفاق أوسع للخيال و التخييل ، فإنها ستظل تدور في حلقات متعددة مفرغة . ويبدو لي في هذا الإطار أن الرواية العربية في الخليج العربي بدأت تفرض وجودها على الساحة العربية ، ويمكنها أن تسهم في هذا التجديد المتوقع ، وإلا فإنها ستكون تكرار وليست تطويرا للتجربة الروائية العربية.

4 – نأتي إلى النقد, يدعي البعض أن الإبداع العربي تفوق كثيراً على النقد العربي ما هو تقييمكم لمسألة النقد الأدبي في العالم العربي ؟

جواب : كنت ، وما أزال من الذين يطرحون هذه الفكرة . وهي في حاجة إلى تدقيق . فالمسألة ليست مسألة تفوق . فهناك اختلاف بين النقد والإبداع . الإبداع يأتي أولا . والمبدع يقول ، كما قال الفرزدق ، وعلى الناقد أن يتأول . للمبدع الحرية أن يقول “ما يشاء ” . لكن على الناقد أن يقول شيئا مؤسسا على معرفة  وبأدوات وبمنهجية ،،، الخطاب النقدي غير الإبداعي . لذلك لا يمكن أن يتطور النقد بدون معرفة دقيقة بالمناهج والنظريات والقدرة على توظيف كل ذلك في خطاب له مواصفات محددة . كل ذلك لا يمكنه أن يتحقق بدون تطور الدرس الأدبي الأكاديمي . وهنا مكمن الخلل . فالدرس الأدبي في الجامعة متخلف جدا لأنه لا يأخذ بأسباب البحث العلمي الذي نجده في الجامعات العالمية ، لأسباب عديدة . ولذلك نجد الأطاريح التي تقدم حول الأدب العربي في الجامعات العربية لا تسهم ، بصورة كبيرة ، في تطوير النظرية . كما أن النقد الذي يمارس في الجريدة والمجلة لا يرقى إلى المستوى المطلوب . لهذه الاعتبارات يمكننا تأكيد القولة التي تذهب إلى محدودية الأثر النقدي بالقياس إلى الإبداع .

5- في ظل التخبط التاريخي للنقاد , من تقديس الكاتب بصفته سيدا للنص إلى الدعوة لقتله في مرحلة ، وإلى تمجيد النص في مرحلة أخرى ، وأخيراً الدعوة إلى تسليم الراية للقارئ , برأيكم ما هو المنهج النقدي الذي ستستفيد منه الحركة الإبداعية عربياً و عالمياً؟

جواب  : التحولات النقدية بحسب التطور التاريخي هام جدا  . إنه ليس تخبطا ، ولكنه دليل على دينامية وتطور. وأعتبر البنيوية قد أحدثت تحولا كبيرا على صعيد الدراسة الأدبية لأنها حققت حلم الشكلانيين الروس في أن يكون للأدب علم خاص يعنى به ويهتم بالكشف عن خصوصياته ، ما دامت كل العلوم السابقة التي اهتمت بالأدب برانية عنه . لذلك فمع تأسيس الدراسات العلمية للأدب كان طبيعيا أن يتدرج في الانطلاق أولا من النص ثم إلى القارئ ثم إلى الكشف عن بنيات أخرى تتصل بالتداول والتأويل ،،، وفي كل حقبة من حقب التحول الإبداعي تطرأ تحولات على مستوى دراسة الأدب . لذلك لا يمكننا الحديث عن مفاضلة بين المناهج ، ولكن أساس المفاضلة يمكن أن يتم بناء على قدرة هذا المنهج أو ذاك في الكشف عن خصوصيات النص وأبعاده المختلفة.

6- ما رأيكم في تقوقع الأدباء و التفافهم حول ذاتياتهم و قضاياهم وأيضاً في تقوقع النقاد حول دراساتهم النظرية دون الاهتمام بالجانب العملي ؟

جواب : أتصور أن المعرفة الأدبية لدى المبدع ضرورية وهامة في إغناء تجربته، كما أن اشتغال الناقد بما أسميته الجانب العملي أساس بل هو عماد العمل النقدي . إن عمل المبدع والناقد يتكامل ولا يمكن أن نتحدث عما أسميته بالتقوقع لدى أي منهما .

7 – هل النقد علم أم  فن وما هو المنهج الذي تستخدمونه في النقد؟

جواب : هذا السؤال هام جدا ، والفكر الأدبي العربي الحديث لم يوله ما يستحق من العناية . عطفا على ما قلت سابقا ، منذ الشكلانيين الروس بات تأسيس الممارسة الأدبية على أساس علمي هاجسا ملحا . ولم يتحقق ذلك إلا في المرحلة البنيوية حيث ظهرت علوم أدبية متعددة. ومنذ ذلك الحين بات من الممكن التمييز بين العالم الأدبي والناقد الأدبي ، ويمكن الجمع بينهما في شخص واحد ، لكن كل ممارسة لها حدودها وشروطها .

أما بالنسبة إلي فأشتغل في نطاق السرديات باعتبارها علما للسرد . وفي كل عمل من أعمالي يتم الاشتغال في إطارها بما يطور فهمنا للسرد في مختلف تجلياته وصوره ومكوناته وعوالمه ،،،

8  – هل ترون في الأفق نظرية نقدية عربية؟

جواب : لست من المتحمسين للحديث عن نظرية نقدية عربية بناء على ما قلته سابقا في التميز بين العلم والنقد. فالنظريات لا تولد من فراغ ، ولا تتم بمحض الرغبة أو الإرادة . فالعرب مطالبون بتمثل النظريات التي يبدعها الإنسان المعاصر حيثما كان ، وعن طريق التفاعل الإيجابي معها ، يمكن أن يحصل التطور . وبذلك يمكننا أن نتحدث عن الإضافة العربية إذا ما حصل الاجتهاد  والانخراط الإيجابي في الحركة النقدية العالمية بدون عقد أو نرجسية . ويمكن أن أسوق هنا مثال إدوار سعيد ، فلولا تشبعه واستيعابه الدقيق للمنجز النقدي الغربي ما تمكن من أن يحتل موقعا في الدراسة الأدبية الحديثة ، ويصبح ممثلا لاتجاه خاص في البحث الأدبي المعاصر. فهل مع إدوار سعيد يمكننا الحديث عن نظرية نقدية عربية ؟

9- قبل فترة وجيزة نوقشت أول رسالة عربية تهتم بالأدب الرقمي تحت إشرافكم، ترى ما سر اهتمامكم بالأدب الرقمي و ما هو مستقبله ؟

جواب : فعلا كانت هذه الأطروحة حول ” الرواية التفاعلية ” . ولقد أنجزتها الطالبة المغربية  لبيبة خمار . لقد دفعتها منذ أواخر التسعينيات للاشتغال بهذا الموضوع لما لمسته فيها من ذكاء وسعة اطلاع . ولقد اشتغلت على رواية رقمية فرنسية تحمل عنوان ” الواقي الشمسي ” . وهي رواية رقمية بالمعنى الحقيقي للكلمة ، لأنها أنجزت خصيصا لتعاين على شاشة الحاسوب ، ثم اتفقنا على إضافة فصل لتناول تجربة محمد سناجلة .

أما سر اهتمامي بهذا الأدب فجاء بسبب انخراطي في عالم الوسائط المتفاعلة والفضاء الشبكي منذ ظهورهما لأن تكويني البنيوي جعلني أولي العناية الخاصة للأشكال وكل ما يتصل بها من وسائط لإنجازها من جهة ، ولوعيي بأن هذه الوسائط ، وإن تأخر تعاملنا معها فهي ستفرض نفسها علينا في زمن معين ، من جهة أخرى . لذلك عملت على  الاشتغال بهذه الأمور للتحسيس بأهمية الانخراط في هذه العوالم الجديدة ، ولخوض نقاش علمي حولها لتجاوز نقائص تعاملنا مع ما ينتج في الغرب . كان هذا الإقدام محاولة للإسهام في دخول العصر بتصور واع ورؤية دقيقة .وما يزال الطريق أمامنا طويلا في هذا السبيل . وعندما نقارن ما وصل إليه الآخرون في هذا المجال ، وما نقوم به نحن في إطاره ، يظهر لك الفرق بين الثرى والثريا ؟

الحوار كما نشر في الملحق الثقافي للتحميل إضغط على الرابط

 d8add988d8a7d8b1-d98ad982d8b7d98ad986

أضف تعليقاً

Your email address will not be published.