الرواية الخليجية «منتعشة»، و«السعوديات» يلفتن الانتباه.

من الباحة / أعد الحوار : علي الرباعي

يعد الناقد المغربي سعيد يقطين من أبرز الأسماء النقدية في العالم العربي باشتغاله على الخطابين السردي والتراثي، من خلال انفتاح النص وتحليل الخطاب الروائي. وبلغ نتاجه قرابة خمسة عشر كتاباً مطبوعاً، فيما شهد مشروعه تحولاً باتجاه قراءة الأدب الرقمي، وتأثيرات الثورة الرقمية على حرفة الكتابة استحق معه الفوز بجائزة اتحاد كتاب الانترنت العرب، في دورتها الأولى لعام 2007-2008 عن مجمل أعماله النقدية والتنظيرية حول الأدب الرقمي. ويؤكد أنه بصدد إيجاد نظرية نقدية تتسق مع روح العصر الرقمي. «الحياة» التقت يقطين قبيل انطلاق ملتقى الباحة الروائي، وحاورته حول مشروعه وقراءته للرواية العربية والسعودية. هنا نص الحوار.

 أين وصل مشروعك النقدي للرواية باعتبارك أبرز الأسماء النقدية، التي تشتغل في هذا المجال؟
– لا يزال هذا المشروع متواصلاً، لقد حرفته قليلاً ليواكب المستجدات المتصلة بالرواية الرقمية، وهذا التحريف يسهم في بلورته وتطويره لما تطرحه هذه الرواية من خصوصية، سواء على مستوى البناء أو التنظيم النصي، تماماً كما كان تحريفي مجال اهتمامي في التسعينات بالرواية إلى السرد العربي القديم ومكنني من تطوير مشروعي السردي. إن المراوحة بين الرواية والسرد القديم والسرد الرقمي أتاح لي إمكان تطوير مشروعي باستمرار، ولا أزال أشتغل في هذه الفضاءات الثلاثة.

 كيف ترى إلى واقع الرواية العربية؟
– الرواية العربية تتطور باستمرار، ويبدو لي أن تطورها الأساس حالياً يتم في ما كان يعرف قديماً بالأطراف، أقصد المغرب العربي ودول الخليج العربي، في هذه الأقطار تنتعش الرواية وهي تبحث لها عن آفاق مختلفة، أما في البلاد العربية التي تبلورت فيها الرواية من زمان، فلا تقدم لنا الآن سوى علامات محدودة لأجيال لا تزال تبحث لها عن موطئ قدم.

 هل نعيش عصر الرواية الذهبي؟
– يبدو لي أن عصر الرواية الذهبي قد ولى تقريباً، فنادراً ما نجد روايات عربية مميزة، وهناك نوع من الاجترار والتكرار وعدم القدرة على تجاوز رواية الستينات والسبعينات، وأرجع ذلك إلى عوامل كثيرة منها، استسهال عملية الكتابة، وغياب التروي، والرغبة في الانتشار السريع أسوة ببعض النماذج التي لقيت رواجاً سهلاً، وعندما نتبين صعوبة الوضع العربي وتردي الأوضاع على المستويات كافة وغياب مرجعية توجيهية، وتساهل النقد في أداء وظيفته مخلياً المجال للإعلام الثقافي، كل ذلك أسهم في تراجع الجدية والصبر على الاجتهاد والبحث والتميز.

 ما تقويمك للاتجاه التجريبي في الرواية العربية؟
– في كتابي «القراءة والتجربة: حول التجريب في الرواية المغربية الجديدة» (1985) حاولت تقديم تصور عام من خلال تحليل أربع روايات مغربية تجريبية، واستخرجت أهم البنيات الجديدة التي حملتها هذه التجربة، لكن كل الروايات التي ظهرت بعد هذه الفترة لم تقدم لنا سوى تنويعات على أهم ما قدمته الرواية التجريبية من منجزات فنية، كان رهان التجريب، الذي حاولت الكشف عنه في الكتاب المذكور، هو خلق قارئ جديد، لكن القارئ الذي تفاعل مع هذه الرواية خلال السبيعينات وحتى التسعينات كان من طينة مختلفة عن الأجيال الجديدة، لقد انتهى أفق الانتظار الذي كان مهيمناً في تلك الحقبة التي كان الحلم فيها كبيراً بتحقيق الآمال الجماعية، نحن الآن أمام جيل جديد، تكون في نطاق حقبة جديدة لذلك لا تهمه تلك الأطروحات، التي كان القارئ يرغب فيها، لذلك فهو في انتظار تجريب آخر، هذا التجريب لا يمكن أن يتبلور إلا من خلال الرواية الرقمية العربية، وهي لا تزال بعيدة عن الإنجاز.

 ما وجه الشبه وما الفروق بين الرواية العربية، والعربية المكتوبة بلغة غير عربية/مترجمة؟
– الرواية العربية نهر متعدد الروافد، وهي تغتني بمختلف التجارب التي يمدها بها الكتاب العرب من مختلف الأقطار العربية، ويبدو لي أنه كلما نجح روائيون عرب في تجسيد خصوصية الأقطار التي يعيشون فيها، اغتنت التجربة الروائية العربية، وكانت هذه الخصوصية مصدر ثراء وتميز، ويمكن أن أقدم إبراهيم الكوني نموذجاً فعندما بدأت تجربته في الظهور أثارت الانتباه إليها لما أفلحت في تقديمه من خلال تجربة لها فرادتها، أما ما يجمع بين الروائيين العرب عموماً فهو انتماؤهم لهذا الوطن العربي ومساهمتهم جميعاً، في الارتقاء بالتعبير عنه إلى مستوى أحسن وأفضل.
أما ما يميز الرواية العربية عن الأجنبية والمترجمة فهو عدم اهتمامها بوجه عام بالقضايا الإنسانية الكبرى، لأن ذلك يتطلب معرفة بالواقع الإنساني وبرؤية فلسفية نفتقدها لاعتبارات لا داعي للخوض فيها، كما أن الرواية العربية، لا تزال رواية فقط، أي أن كل روائي يقول إنه يكتب رواية والسلام عليكم. أقصد أن كتابنا يكتبون في نطاق اتجاهات روائية عامة، وليس في نطاق أنواع روائية محددة، لذلك لم تتطور لدينا روايات تاريخية، أو رواية الخيال العلمي، أوالفانتازيا، أو الرواية البوليسية، بل إن بعض «الروائيين» ينطلقون من رأسمال مادة حكائية ذاتية، وبدل أن يحدد روايته على أنها «سيرة ذاتية» نجده يتهرب من إعطاء صفة نوعية لعمله.

 كيف يخرج المنجز العربي عموماً من إطار توصيف الآخر له بالانثربولوجي؟
للآخر أن يصف الرواية العربية كما يحلو له. قد يكون هذا الوصف صحيحا أو غير دقيق. فسمة «الأنثروبولوجي» ليست سبة. إذا كانت كذلك في السبعينات لأسباب إيديولوجية، فهي في رأيي، الآن، يمكن أن تكون مطلباً للتعرف على المجتمع العربي من منظور مختلف. إن المشكل الأساسي، ليس في السمة المعطاة، ولكن في كيفية ممارسة هذا البعد الأنثروبولوجي في الكتابة.

قلق إبداعي ورغبة في التعبير

> ما الذي يلفتك في الرواية السعودية وما الأسماء الحاضرة بقوة ؟
ـ هناك أولاً تعدد الأسماء، وثانياً الحضور النسائي والشبابي، وثالثاً تعدد التجارب. كل ذلك يبين أننا أمام قلق إبداعي ورغبة كبيرة في التعبير الفني عمّا يعتمل في الذات والمجتمع. وهذا دليل دينامية اجتماعية. الأسماء كثيرة، ولكل منها خصوصيتها مثل غازي القصيبي ورجاء عالم وتركي الحمد وعبده خال ويوسف المحيميد ومها الفيصل وعلى الدميني.

 ما أبرز محاور ورقتك في «ملتقى الباحة» جماليات الشكل الروائي: قراءة في نماذج من الرواية السعودية؟
ـ تركز ورقتي على تقديم تصور للشكل باعتباره بناء للعمل الروائي، وبعد تقديم صورة عن أنواع البناء، تتم قراءة ثلاث روايات هي «خاتم» لرجاء عالم و«القارورة» ليوسف المحيميد و«سفينة وأميرة الظلال» لمها محمد الفيصل، من خلال تميز كل منها عن الأخرى على مستوى الشكل، مع محاولة تفسير علاقة الشكل بالدلالة العامة التي يحملها النص الروائي.

النقد السعودي تأثر بـ «الأنجلوسكسوني»

وحول وضع النقاد السعوديين بين الأنجلوسكسوني، والفرنكفوني وعن أبرز السعوديين المتأثرين بالفرنكوفونية يقول الناقد سعيد يقطن أن النقد العربي في السعودية تأثر بالاجتهادات الأنجلوسكسونية عن طريق مباشر أو عن طريق الترجمة، ويمكن قول الشيء نفسه عن الاجتهادات الفرنكوفونية، لأن ما يطلع عليه الناقد العربي في السعودية هو إجمالاً ما يطلع عليه الناقد العربي. ومن أبرز النقاد السعوديين المتأثرين أكثر بالنقد الفرنسي أذكر معجب الزهراني.
أما عن انتقاله من نقد الرواية إلى دراسة النص الإفتراضي فيؤكد يقطين كيف يمكن مقاربة فضاءات إن النص الجديد الذي يتحقق إنتاجه بواسطة الحاسوب وبرمجياته يمتلك خصائص من النقد بمعناه العام، ولكنه يتميز إلى جانب ذلك بتوافره على مقومات لا يمكن أن تتم إلا مع الحاسوب. وأهم ميزة لهذا النص هي أنه من جهة يبنى على الترابط، وبذلك يتجاوز الخطية العمودية التي يتصف بها النص بالمعنى الذي نعرفه. كما أنه، من جهة أخرى، متعدد العلامات. أي أن البعد اللفظي، أو العلامة اللغوية، هي واحدة من مكوناته، لأن له إمكان توظيف علامات أخرى: صوتية وصورية وحركية. وهذه الميزات الجديدة تتطلب مقاربته ليس فقط من الزاوية اللغوية، ولكن من زوايا سيميائية متعددة. ويستدعي هذا من الناقد التسلح بمعارف جديدة تتعدى اللغة وما يتصل بها من علوم أدبية وبلاغية وأسلوبية، إلى أخرى ترتبط بالصورة والتشكيل والمعلوميات، وما شاكل هذا من العلوم الجديدة.
وعن رؤيته المشاريع النقدية المشرقية، وما أهم الأسماء الفاعلة في هذا الحقل أجاب سعيد أنه لم يكن عندنا مشروع نقدي، ولذا لم يتحقق أي مشروع. فالناقد العربي عموماً، إلا قلة قليلة جداً، تغير تصوراتها النقدية بين عشية وضحاها. وكلما ظهرت لها نظريات جديدة، حاولت استدعاءها وتوظيفها ريثما يظهر غيرها.