القراءة والتجربة

القراءة والتجربة

حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب

سعيد يقطين

ـ   صدر كتاب القراءة والتجربة : حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب ، سنة 1985 عن دار الثقافة / الدار البيضاء

ـ  يتناول أربع روايات مغربية بالتحليل الجزئي .

هذه الروايات هي : الأبله والمنسية وياسمين للميلودي شغموم ، ووردة للوقت المغربي لأحمد المديني، ورحيل البحر لمحمد عز الدين التازي ، وبدر زمانه لمبارك ربيع .

ـ وفي مايلي ” التمهيد ” الذي صدر به الكتاب :

تمهيد

    إن التجربة الروائية الجديدة ببلادنا بدأت تشكل ظاهرة منذ بدايات الثمانينيات ، ولقد كان قبل ذلك ، وبالأخص منذ أواسط السبعينيات (قصص التازي والمديني ،،، ) عبارة عن تجارب فردية متناثرة ، لاتمثل ما يمكن اعتباره ظاهرة . وكتجربة جديدة ، لانجدها ترتبط بالخطاب الروائي فقط ، إذ أنها تمتد إلى خطابات أخرى متعددة يحذوها جميعا هاجس الجاوز والبحث ، وإن بطرائق متفاوتة ومختلفة . يمكننا الإشارة إلى بعضها ، على سبيل المثال لا الحصرمن خلال ” الأيام ، الأيام ” كخطاب سينمائي ، وكتاب الإمتاع والمؤانسة كخطاب مسرحي ، وقصص أحمد بوزفور ، وما يمكن أن نسميه القصيدة الملحمية على مستوى الإنتاج الأدبي . كما نجد ذلك في القراءات النقدية الجديدة سواء في تحليل الخطاب الفكري (محمد عابد الجابري ، عبد الله العروي …) أو الأدبي على مستوى الشعر مع اجتهادات محمد مفتاح ، أو على مستوى السرد مع عبد الفتاح كيليطو.

    هذه التجربة الجديدة ببلادنا ، ليست معزولة عما يجري في وطننا العربي من إسهامات في هذاالسبيل .إنها جزء منها ، وتنويع على العديد من إنجازاتها في الشعر والسرد والمسرح والتشكيل والسينما .

    من السهولة بمكان التموقف من هذه التجربة سلبا ، كما أنه من اليسير التعصب لها إيجابا ، وكم هي شاقة وصعبة قراءتها ودراستها؟ لذلك لا نكاد نعثر على مواكبة رائدة على مستوى القراءة لهذه التجربة ، لأن من أولى أوليات ذلك أن تكون القراءة جديدة : فالتجربة الجديدة تستدعي القراءة الجديدة . ولا يمكن أن تنهض القراءة الجديدة بذلك ما لم تكن هناك التجربة الأصيلة ، وأقصد الجديدة . وليست صفة الجديد هنا متصلة بالزمن ، ومستعملة كنقيض للقديم ، ولكنها مرتبطة بمدى إنتاجيتها المتميزة عن إعادات الإنتاج السائدة ، ومدى فعلها في إقرار متغيرات جديدة في ممارسة الإنتاج الأدبي والنقدي والفكري عموما .

    إن هذا هو ما حذا بنا إلى هذه القراءة التي تشهد بتواضعها وطموحها معا . إنها محاولة للبحث في مكونات هذا الخطاب الروائي الجديد ببلادنا ، وهي مدخل لقراءة آمل أن تكون لاحقا ، أكثر شمولا واستيعابا . تروم هذه القراءة أن تكون جديدة على مستويين :

 1 . البحث في مكونات الخطاب الروائي البنيوية ، وهذه القضية ما يزال نقد الرواية ببلادنا ، والوطن العربي لا يعيرها كبير اهتمام ، رغم بعض المحاولات القليلة والمتفرقة .

2  . استعمال أدوات ومفاهيم جديدة تمتح بالأخص من السرديات التي يعمل الباحثون في البويطيقا على بلورتها وتدقيقها لتصبح اتجاها متميزا في تحليل الخطاب السردي بصفة عامة . وهذه القراءة وهي تمتح من السرديات تسعى إلى الاستفادة من أهم إنجازاتها من منظور نقدي لايكمن هاجسه في إسقاط معطياتها على المتن العربي ، ونسجل كون هذا هو شكل التعاطي السائد عندنا ومختلف الاتجاهات الجديدة في تحليل الخطاب ، ولكن هاجسه يكمن في محاولة الإمساك بروح الصرامة والبحث الذي تنتهجه ، من اجل الإسهام في بلورة سرديات تتأسس على قاعدة الحوار مع / والانفتاح على ما تتم مراكمته من إنجازات في تحليل المتن الغربي ، وعلى قاعدة ما يمكن الإسهام في إضافته وإنضاجه من خلال قراءة إنتاجية للكتن العربي ، تنطلق من السؤال والسؤال النقدي .

    في قراءتنا لهذه التجربة الروائية الجديدة بالمغرب ، انطلقنا من أربع خطابات هي : الأبله والمنسية وياسمين للميلودي شغموم ـ وردة للوقت المغربي لأحمد المديني ـ رحيل البحر لمحمد عز الدين التازي ـ بدر زمانه لمبارك ربيع واختيارنا لهذه دون غيرها من الروايات ذات التجربة الجديدة لايلغي أهمية بعضها ، مثل ” مجنون الأمل ” لعبد اللطيف اللعبي ، والغربية واليتيم لعبد الله العروي ، وغير ذلك ذلك من الأ‘مال التي نأمل أن نقوم بقراءتها لاحقا . إن ما يجمع بين كتاب هذه الروايات هو كونهم جميعا كتبوا القصة القصيرة والرواية بطريقة خاصة ومغايرة منذ أواسط السبعينيات ، وبالأخص أحمد المديني وعز الدين التازي . أما الميلودي شغموم فقد كانت روايتاه الضلع والجزيرة تؤشر لهذه التجربة ، ونفس الشيء نجده في تجربة مبارك ربيع الأخيرة .

    تتلخص طريقة تعاطينا وهذه الروايات في الانطلاق من مبدأ محوري يضبط مختلف مكونات الخطاب ويحكمها . وعلى ضوء هذا المبدأ ، وانطلاقا منه نشرع في تحليل وقراءة باقي العناصر . ولقد صدرنا هذه القراءة بمقاربة نظرية عامة حاولنا من خلالها ضبط القراءة والتجربة والعلاقة التي تربط بينهما في إنتاج الخطاب وضمنه الروائي ، وبعد انتهائنا من تحليل كل خطاب على حدة ، قمنا بتركيب موجز حاولنا من خلاله طرح أهم إشكاليات هذه التجربة الجديدة .

    ونود أخيرا الإشارة إلى ثلاثة مفاهيم إجرائية حاولنا الانطلاق منها لإبراز المشترك بين هذه الخطابات المتناولة في هذه الدراسة ، ويرتبط ارتباط وثيقا بالتصور الذي سنطرحه في ” تجربة القراءة ، وقراءة التجربة ” في هذ النقطة .

هذه المفاهيم هي :

  1 . الانزياح السردي  2 .  الميثاق السردي   3 . الخلفية النصية.

      إن المفهومين الأول والثاني تنويعان لمفهمي الانزياح والميثاق كما استعملهما جان كوهين وغيره في تحليل الخطاب الشعري ، وفيليب لوجون في تحليله السيرة الذاتية ، وتخصيص لهما في المجال الروائي . وأ، المفهوم الأخير استخلصناه في محاولتنا البحث في محددات القراءات واختلافاتها . هذه المفاهيم الثلاثة موظفة في سياق ما سنوضحه عن العلاقة بين الراءة و التجربة ، بين الذات والموضوع ، وفي نطاق ارتباط ذلك بالاستمرار والتقطع .

     وأخيرا ، إن هذه القراءة تشهد بتواضعها وطموحها أيضا . إنها خطوة أولى في رحلة الألف ميل ، وهي بداية بدايات مشروع ما زلت أطرح بصدده السؤال ، ولا يمكن لأي الادعاء بأنه قادر على إنجازه وحده ، بدون تضافر الجهود ، وتآزر الفعاليات الحقيقية ، وتعاونها في فتح حوار جاد ومؤسس ونقدي يسهم في تطوير حياتنا الثقافية والفكرية ، وفي تطوير القراءة والتجربة ببلادنا .

سعيد يقطين

في فاس : 25/12/1984