الحكاية الشعبية في دكالة

د. محمد فخر الدين

 

الحكاية الشعبية : اللغة والثقافة

سعيد يقطين

لا يمكن تصور شعب بدون سرد . ولا يمكن تخيل جماعة اجتماعية بدون حكايات. فالسرد مقوم أساسي في التواصل بين الأفراد والجماعات. كما أن الحكايات الشعبية جماع كل ما تختزنه الذاكرة الجماعية من حوادث ووقائع تعمل على صياغتها في قالب يجعلها مرجعا تعود إليها لصيانة كل خبراتها وتجاربها. لذلك كانت الحكاية الشعبية ، علاوة على أبعادها الترفيهية والمعرفية ، لغة أساسية للتواصل بين الأجيال ونقل كل الخبرات والتجارب. وهي من ثمة ، ثقافة تختزل كل المنظومات والقيم .

   لهذا الاعتبار نجد الاختلاف بين الأمم والشعوب ، ليس في إنتاجها للسرد أو إبداعها للحكايات ، فذلك مشترك بين كل الشعوب والأمم ، ولكن الاختلاف الحقيق ، يكمن في مدى اهتمام باحثيها وعلمائها بتراثها السردي وبحكاياتها الشعبية. لذلك نجد الأمم المتطورة ، عملت منذ تحولها التاريخي ، في العصر الحديث ، على الانتباه إلى قيمة تراثها السردي والحكائي الشعبي، فاهتمت بجمعه وتصنيفه ودراسته وإشاعته أيضا مستغلة في ذلك مختلف وسائط التواصل : فطبعت هذه الذخائر طبعات عديدة موجهة لكل الفئات العمرية ، واستغلت في ذلك الصور الثابتة والمتحركة ، وقدمت على المسرح والسينما ،وحاليا على أقراص مدمجة. وسنويا تصدر هذه النصوص ، وبمختلف الأشكال ، ربطا للحاضر بالماضي ، وإقامة لجسور التواصل بين الأمس والغد.

    إن الحكاية الشعبية تراث جماعي تسجل فيه الأمة كل أحلامها وتصوراتها عن الإنسان في مختلف الأحوال والظروف . لذلك فهي الزاد المادي والروحي للأمة لأنها تعكس رؤية المجتمع للكون ومبررات وجوده وتفاعله مع العالم. لذلك كان هذا الاهتمام تعزيزا للغة المجتمع وثقافته ومن ثمة هويته وكيانه.

    لسنا نشازا بين الأمم . فلنا تراثنا السردي وحكاياتنا الشعبية التي تشكلت على مدى قرون وقرون . وكلها تجسد الثقافة المغربية في مختلف تجلياتها وصورها. لكن هذا التراث الحكائي لم يثر الاهتمام ، ويستفز الهمم. فضاع جزء كبير منه ، وما بقي متداولا ليس سوى نزر قليل. لذلك ، فإن الوعي الوطني يمر عبر إعطاء الثقافة الشعبية المغربية ما تستحق من العناية والاهتمام من لدن مثقفينا وباحثينا ورجال إعلامنا ومنتخبينا وكل من يهتم بتدبير شؤوننا الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إن الثقافة الشعبية هم وطني لا يختلف عن بقية الهموم والشجون التي تشغلنا ، وينبغي أن تشغلنا. ومتى صارت الثقافة الشعبية جزءا من اهتمامنا ووعينا ، فهذا دليل على أننا صرنا ننظر إلى ذاتنا نظرة مغايرة ، ولا يمكن أن يكون ذلك سوى دليل على تحولنا نحو الأحسن ، أي نحو الالتفات إلى ذاكرتنا وهويتنا وشخصيتنا الوطنية في أبعادها المحلية والمغربية والعربية والإنسانية.

   أحيي في هذا النطاق كل الجهود التي بدأ يوليها بعض الباحثين المغاربة احتفاء بتراثنا الشعبي ، وكذلك بعض الجهات الرسمية ، وهي تسعى إلى الارتقاء بالثقافة الشعبية المغربية ، ليس تحت تأثير دعوات اليونسكو ، ولكن استجابة لضرورات تاريخية واجتماعية وثقافية ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التلاشي والضياع والنسيان.

   إن العمل الجاد والمضني الذي يقوم به الدكتور محمد فخر الدين في هذا الاتجاه يعد مفخرة للمغرب وللثقافة الشعبية. إنه يقوم بمجهودات طيبة لخدمة الحكاية الشعبية المغربية وهو يعمل على جمعها من مناظها ، محافظا على صياغتها اللغوية كما وصلت إلينا .أي أنه يحرص على الأمانة في نقل هذا التراث ، ساعيا بما أوتي من اطلاع واسع وهمة وغيرة على جعله قابلا للتداول والدراسة. إنه مجهود لا يمكن أن يقدر إلا بما يولده من حوافز لآخرين ليسيروا على منواله ، فيقدموا لنا أعمالا مشابهة من مناطق أخرى تغني رصيدنا الحكائي ، وتنقذه من الضياع .

   إن تضافر الجهود ، في هذا السبيل ، لا يمكنه ، مع الزمن ، إلا أن يجعلنا نتطلع إلى تقويم ثراتنا الشفوي ، بصفة عامة ، ونتبين أننا أضعنا الكثير من الوقت في عدم انتباهنا إلى قطاع هام من تراثنا الغني الذي يعكس تاريخنا ومتخيلنا الجماعي ، وبما يزخر به من ثراء وخصوبة ، لا يمكنهما إلا أن يفعلا مفاعيلهما في تطوير علاقتنا بأنفسنا أي بلغتنا وثقافتنا وهويتنا وتاريخنا ، ونعزز بذلك انتماءنا إلى ثقافنا وتاريخنا.وبذلك أخيرا يمكن أن نسهم في إثراء التراث الإنساني بجزء غني من عطاءات أجيال تعاقبوا على أرض هذا الوطن وساهموا في تشكيله بكيفية دالة على عبقرية مذهلة في التفاعل مع جغرافيته وتاريخه.

   حكايات شعبية من دكالة تكشف لنا بجلاء غنى وثراء تراث عميق من الإنتاج السردي والخيالي المغربي . فلنقرأ هذه الحكايات ، ولنتأمل الأبعاد والمرامي القريبة والبعيدة ، للتوقف على ذاكرة خصبة وخيال جموح ، وعطاء لا ينفذ.